IMLebanon

استعادت الحركة السياسية زخمها، مع انتهاء عطلة عيد الأضحى، وسط استقطاب التطورات الأمنية الاهتمام بعد الخرق بالنسبة إلى الحدود اللبنانية- السورية على الجبهة الشرقية واستهدافه المباشر عدة مواقع «لحزب الله»، في معركة مرشحة للتكرار باشكال مختلفة. في وقت تراوح قضية المخطوفين مكانها، مقابل تصعيد أهالي العسكريين تحركاتهم بقطع الطرق والإعلان عن تحركات أوسع في بيروت، ولاحقا في المتن وكسروان. الوضع الأمني الخطير في جرود بريتال خرق ارتسمت التساؤلات حول تداعياته وخلفياته، خصوصا انه شكل تطورا نوعيا، وسط مطالبات بأن يكون ممثل عن الأهالي جزءا من خلية الأزمة الحكومية.

واذا كان مجلس الوزراء، في جلسته الاخيرة قد نجح في «تدوير الزوايا» عبر تجديد «الثقة المشروطة» بالرئيس تمام سلام وبخلية الازمة المكلفة إدارة المفاوضات، من دون ان يتخذ اي موقف علني من مبدأ المقايضة، فإن الواقع الميداني في عرسال ومحيطها تقول مصادر متابعة للملف بات يشكل الآن عنصراً أكثر ضغطاً من السابق نتيجة عوامل طارئة قد تشكل عبئاً ضاغطاً عليه بقوة، لعل ابرزها تلك الناشئة عن نجاح الجيش في الفصل بين عرسال وجرودها حيث تتحصن مجموعات «داعش» و«جبهة النصرة»، ما ادى الى قطع الامدادات الغذائية والتموينية والاستشفائية عنهم تماماً، وسمح للواء عباس ابراهيم بالمساومة على نقل احد جرحاهم الى مستشفى عرسال مقابل الافراج عن اسرى. إجراء اقترن برسالة واضحة وجهها قائد الجيش الى من يعنيهم الامر بإعلانه انه يتوقع معركة جديدة في محيط عرسال ما يعني ان الجيش مستعد للمواجهة وان المعطيات الراهنة اختلفت عن معطيات المعركة الاولى.

ومع ان هناك بعضاً من المسؤولين الذين يستبعدون هذا الاحتمال تضيف المصادر نتيجة عدم تمتع المجموعات المسلحة بموقع ميداني متفوق، فان ثمة إجماعاً على دعم الجيش بالكامل في كل ما يقوم به على قاعدة التحسب لأقصى الاحتمالات العسكرية والأمنية. امر تبدو معه قضية العسكريين الرهائن مرشحة لسباق مستمر بين العوامل الميدانية وعملية التفاوض في ميزان شديد الحساسية والغموض والخطورة.

غير ان هذا الواقع انتج محاذير جديدة بحسب المصادر برزت اولاً في لجوء المسلحين الى اعتماد اسلوب التفخيخ والعبوات الناسفة، مع اكتشاف الجيش كميات كبيرة من المواد المتفجرة، والتي تركز التحقيقات الجارية على معرفة مصدرها املا في كشف الخلايا الارهابية في الداخل التي يرجح انها تتولى ذلك، وثانيا تغييرهم لتكتيكاتهم عبر مهاجمة مواقع حزب الله في خطوة مفاجئة في محاولة لفتح جبهة بحدود الـ 100 كلم على طول السلسلة الشرقية.

توجُّس لبناني ظهر جلياً في أبعاد الاندفاعة المباغتة على جبهة جرود بريتال والتي وضعت المسؤولين امام معطى غير مسبوق بات يفترض بحسب المصادر تحوطا لكل احتمالات تجدد المواجهات او تمددها ربطا بالوقائع السورية والعراقية، وسط «حبس أنفاس» حيال التداعيات المرتقبة للمواجهات على ملف العسكريين المخطوفين والذين تتضارب المعلومات حول مسار المفاوضات في شأنه والتي يخوضها لبنان عبر الوسيط القطري بانتظار الدخول القوي لتركيا على الملف. علماً ان قضية «الممر الآمن» للمسلحين سواء لزيارة عائلاتهم في عرسال او لعدم قطع الامدادات الحياتية الضرورية عن الجرود، شكّلت احد أبرز شروط الخاطفين التي تبلغتها بيروت.

وسط كل ذلك برزت مجموعة مؤشرات متناقضة، في ظل تضاؤل حظوظ الدور القطري ومقاربة انقرة الحذرة للملف بفعل تبعات ما حصدته من وساطتها السابقة في ملف دبلوماسييها، ابرزها، بحسب المصادر:

– تجاوز الخاطفين لمسالة اطلاق الموقوفين الاسلاميين السوريين بعد معركة عرسال او وقف الاجراءات حول مخيمات اللاجئين السوريين.

– تركيز المسلحين على ضمان ممر انساني آمن لهم لزيارة عائلاتهم في عرسال وعدم نقل المخيمات الى خارجها وعدم قطع الامدادات الحياتية الضرورية عن البلدة والجرد.

– طلب جبهة «النصرة» تعهدات من الجانب اللبناني لا يمكن تقديمها او حتى القبول بمبدأ الاتفاق بين الدولة ومجموعات ارهابية، مشيرة الى تجدد المطالبة باطلاق 1500 سجين للمسلحين من السجون السورية، وهو مطلب غير قابل للتحقيق ليس لعدم رغبة لبنان بذلك بل لعدم قدرته استنادا الى سياسة النأي بالنفس.

– تصعيد في المطالب سعيا للمساومة على اطلاق الموقوف جمال دفتردار، الامر الذي كان السبب في توقف الوساطة القطرية وعودة الامور الى نقطة الصفر. علما ان الاخير يعاني من وضع صحي متدهور ويخضع للعلاج.

– فشل الوساطتين القطرية والتركية في حل هذا الملف قريبا سيعلق مصير الاسرى الى حين تبلور ما ستؤول اليه حرب التحالف الدولي على «داعش» و«النصرة» في العراق وسوريا.

– استفادة المسلحين من تحريك أهالي المخطوفين في ظل المناخ السياسي الداخلي السائد في لبنان لخلق مزيد من البلبلة والاضطراب بما يؤثر سلباً على الموقف العسكري ضدهما.

– مخاوف فعلية من اقدامهما على تحريك «خلايا نائمة» تابعة لهما في عدد من المناطق كلما ازداد الحصار على مسلحيهما في الجرود الذين بدأوا يواجهون ظروفا مناخية صعبة مع بدء إقتراب فصل الشتاء وباتوا يحتاجون الى ممرات لوجستية.

من التفاوض الى المقايضة، فالتبادل والتسوية، تتحرك الحكومة بمسؤوليها من تركيا الى قطر، لتتعدد وسائل الضغط ويبقى المطلوب واحداً، فهل تنجح خريطة طريق اللواء ابراهيم التفاوضية؟ ام تتحول اوراق القوة التي امتلكتها الحكومة اللبنانية الى سكين مسلط على رقاب العسكريين الاسرى ؟