انتهت الأعمال العسكرية في طرابلس على غرار ما جرى في صيدا وعبرا ونهر البارد والضنية، وبقيت الأسرار في حوزة من قام بهذه الأعمال الإرهابية كشاكر العبسي والشيخ أحمد الأسير، وهذا ما دفع أوساطاً سياسية تابعت مجريات المسلسل الإرهابي في طرابلس إلى الحديث عن تحويل لمجرى المعركة التي حصلت نهاية الأسبوع الماضي في طرابلس إلى مناطق أخرى. وبنت الأوساط قراءتها هذه على معلومات ووثائق تملكها بعض الجهات الأمنية والسياسية في المنطقة، وتشير إلى أن الإرهابيين قرّروا نقل ساحة المواجهة من المناطق الداخلية في طرابلس إلى قرى بعيدة وحدودية، وفي هذا المجال يبرز القلق الأكبر من خطورة واقع بعض المخيمات الفلسطينية، وتحديداً مخيّمات صيدا والجنوب، إضافة إلى المناطق المتاخمة لمخيّمي عين الحلوة والميّة وميّة، حيث تتواجد عناصر متطرّفة فلسطينية ولبنانية على حدّ سواء.
ولهذه الغاية، عُلم أن اتصالات بهدف التعاون والتنسيق قد بُذلت في الآونة الأخيرة بين الأجهزة الأمنية اللبنانية وبعض الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لمنع تحويل المخيمات وقوداً لإشعال النار الطائفية والمذهبية، كما كشفت الأوساط السياسية. وفي هذا المجال، فإن تقارير أمنية رأت في مخيّم عين الحلوة مكاناً أساسياً لاحتواء العناصر التكفيرية على غرار مخيم نهر البارد، ولذلك يبحث السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبّور مع المسؤولين اللبنانيين، ولا سيما منهم الأمنيون سبل مواجهة أي سيناريو قد ينطلق من المخيمات، وذلك قبل فوات الأوان ومنعاً لتكرار تجارب نهر البارد وصيدا وطرابلس.
وهنا سألت الأوساط السياسية نفسها عما إذا كانت الفلول الإرهابية التي خرجت سابقاً من منطقة عبرا وقبلها من مخيم نهر البارد إلى طرابلس اليوم، تقوم بعملية تجميع لقواها والإستعداد والتحضير لمرحلة مقبلة، أو الإنطلاق في أعمال إرهابية كتفخيخ السيارات أو القيام باغتيالات سياسية. وتأخذ الأجهزة الأمنية هذه المخاوف بكثير من الجدّية بناء على معلومات وتهديدات يجري تداولها عبر مواقع التواصل الإجتماعي ليتم إبلاغها من خلال وسائل متعدّدة ولا تتطلّب الكثير من التحليل إضافة إلى اعترافات العديد من الموقوفين الذين كشفوا عن مخطّطات مريبة ستطاول بعض المناطق اللبنانية من خلال التفجيرات والإغتيالات.
وفي سياق متصل، تقول الأوساط نفسها، أن ما جرى في طرابلس خلق مرحلة جديدة، وتحديداً على المستوى السياسي عبر إعادة خلط الأوراق في أكثر من استحقاق، وخصوصاً الإستحقاق الرئاسي، بعد ارتفاع أسهم مرشّحين معيّنين وانخفاض أسهم مرشّحين آخرين، سيما وأنه بدا لافتاً الإهتمام الأميركي لمسار المعركة التي دارت في طرابلس، حتى أن هناك من تحدّث عن أن فريقاً أميركياً سياسياً وأمنياً قد تابع بدقّة كافة تفاصيل الإشتباكات، كما كانت اتصالات مفتوحة مع قيادة الجيش لمواكبة مسار المواجهة مع الإرهابيين. وأضافت الأوساط السياسية أن المتغيّرات الأمنية والسياسية ستُترجم عبر مواقف سياسية بارزة، وعلى قدر كبير من الأهمية في الأيام القليلة المقبلة، في حين أن ما جرى قبل معركة طرابلس من اتصالات وجولات ومواقف سيعاد النظر به إنطلاقاً من التطوّرات الأخيرة.
لكن هذه المعطيات، أضافت الأوساط ذاتها، لن تؤدي إلى حصول انتخابات رئاسية في وقت قريب، نظراً لارتباط هذا الإستحقاق بالأوضاع الإقليمية والدولية وعدم نضوج الطبخة الرئاسية، وهو ما ظهر من خلال البرودة الواضحة في التعاطي مع جلسة الإنتخاب الأخيرة بالأمس، وذلك بسبب الملل لدى الرأي العام، كما لدى السياسيين، من تكرار الجلسات النيابية التي تنعقد من دون أية فائدة. وبالتالي، فإن المرحلة الراهنة ستكون أمنية بامتياز، حيث تنشط المتابعة من قبل أجهزة المخابرات وأمن الدولة لتحرّكات المسلّحين الفارين في أكثر من قرية وبلدة حدودية مع سوريا، إضافة إلى تركيز العمل على كشف الخلايا النائمة، وذلك وسط مخاوف من أن يلجأ بعض هؤلاء الذين هربوا من باب التبانة إلى تنفيذ عمليات بشكل منفرد في بعض المناطق، وذلك، فإن الإستحقاق الرئاسي سيبقى مرحّلاً إلى ما بعد استكمال المعالجات الأمنية وبلورة الإتجاهات السياسية داخلياً وإقليمياً.