IMLebanon

مخاوف من جنوح «الشعبوية المارونية»… وارتفاع أصوات مقابلة تطالب «بالحقوق»!

مخاوف من جنوح «الشعبوية المارونية»… وارتفاع أصوات مقابلة تطالب «بالحقوق»!

وكيلا طرفي التسوية يحرصان على احترام العلاقة بين بعبدا والسراي… وانتخابات 2017 ستجري وفقاً لقانون جديد

ترؤس الحريري جلسات الموازنة ليس مقياساً لرغبة عون في إبراز موقع رئيس الحكومة في السلطة التنفيذية

يخرج متابعون لجزئيات المشهد السياسي الراهن بجملة استنتاجات يمكن وصفها بالثوابت التي تطبع المرحلة الراهنة بُعيد التسوية الرئاسية التي أوصلت الثنائي ميشال عون – سعد الحريري إلى الحكم. أولى هذه الاستنتاجات – الثوابت أن العلاقة بين قصر بعبدا والسراي الحكومي هي علاقة قد تم رسمها بدقة وعناية بين «وكلاء الطرفين» بما يؤمن استمرارها بعيداً عن الاهتزازات التي كانت في غالب الأحيان تحكم العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في العهود السابقة ما بعد الطائف، نتيجة الاختلاف في المنطلقات السياسية لكلا الموقعين. ويضرب أحد الوزراء، الذي رافق عدة حكومات، مثالاً كيف أن حال التوافق القائم بين عون بشخص وريثه السياسي الوزير جبران باسيل والرئيس الحريري يفعل فعله الإيجابي، فيتم الاستغناء عن عبدالمنعم يوسف وتعيين بديلين عنه برفة جفن، وهذا أيضاً حال التعيينات العسكرية والأمنية التي أنجزت عملياً وستصدر قريباً. ويلفت نظره كيف أن رئيس الجمهورية يفسح المجال أمام الحريري لترؤس مجلس الوزراء في جلسات متتالية وإن كان تحت عنوان مناقشة مشروع الموازنة، لكنها أيضاً جلسات يتم فيها اتخاذ قرارات عدة. وهذا قلما كان يحصل سابقاً بهذه الوتيرة.

بالطبع يغفل الوزير المعني تفصيلاً جوهرياً هنا هو أن التعيينات العسكرية والأمنية ولا سيما اسم قائد الجيش وربما أيضاً اسم المدير العام لقوى الأمن الداخلي ما كان ليمرّ من دون موافقة «حزب الله»، كما أن التعيينات لا تشمل تغييراً لمدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، نتيجة توافق «الثنائية الشيعية»، ما يعني واقعاً أننا لسنا أمام ثنائية مارونية – سنية تتحكم بالسلطة التنفيذية، بقدر ما أن هناك قراراً بعدم توتير العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة، يعزوها البعض لتفاهمات سبقت التسوية وأفضت إلى مصالح مشتركة للطرفين ليست سياسية بالضرورة، عكست مناخات من الإيجابية وزادت من زخمها وحيويتها التسوية الإقليمية والدولية. أما ترؤس الحريري جلسات مناقشة الموازنة، فليس مقياساً دقيقاً لرغبة عون في إبراز موقع الحريري كرئيس للسلطة التنفيذية، وهو الآتي لتأكيد موقع الرئاسة الأولى وصلاحياتها.

غير أن ما رمى إليه الوزير المعني، ويشاطره فيه آخرون من الحلفاء المفترضين لزعيم «تيار المستقبل» هو أن هذا التفاهم بين وريث عون وزعيم «تيار المستقبل» يأتي في جانب كبير منه على حساب تحالفات طبيعية كان يشكلها الثلاثي برّي – الحريري – جنبلاط، وقد تُرك زعيم المختارة يواجه وحيداً المشاريع الانتخابية التي تُطرح تحت عنوان استعادة التمثيل المسيحي، وهي مشاريع لا تستهدف جنبلاط وحده بل تستهدف الحريري بشكل رئيسي والمستقلين المسيحيين، الأمر الذي يتم تظهيره راهناً على أن العقدة هي عقدة جنبلاطية، فيما المسألة تتعداه إلى المنطلقات السياسية والوطنية والمعايير التي يتم على أساسها مقاربة قانون الانتخاب.

في الاستنتاجات أيضاً، أن النقاشات التي جرت ضمن «المطبخ الرباعي» قبل أن يتلاشى وما تلاها من لقاءات ثنائية لبحث البدائل وما سجل من اعتراضات أضحت تشكل أرضية لمرحلة جديدة من البحث ستنطلق من تجميع الإيجابيات المبعثرة في الصيغ التي جرى طرحها والبناء عليها للوصول إلى قانون مقبول ولو بالحد الأدنى من قبل المكونات اللبنانية، ولا يؤسس لنزاعات طائفية عاد ليطفو بعضها إلى السطح. ورغم تأكيد بعض المعنيين أن الهوّة بين الأطراف بدأت تضيق، فإن المشكلة تبقى في اعتماد معايير مختلفة فيما المطلوب معايير موحدة في تركيبة القانون، ذلك أن التحفظات لا تزال قوية على اقتراح باسيل اعتبار كل المذاهب المسيحية كتلة واحدة، وتقسيم المذاهب الإسلامية بين كتلة سنية وكتلة شيعية وأقليات. وإذا كان من المبكر القول بإمكان التوافق سريعاً على الصيغة النهائية، فإن الأكيد الذي يجزم به معنيون بالاتصالات الجارية أنه سيكون هناك قانون جديد للانتخابات، وأن الانتخابات ستجري قبل نهاية 2017 وعلى الأرجح في شهر تشرين الأول، ما يجعل سيناريو التأجيل التقني هو السيناريو الأكثر توقعاً، والذي يفترض معه أن يقرّ مجلس النواب قبل نهاية ولايته القانون العتيد مضمناً إياه مهلاً جديداً.

أما الاستنتاج المقلق الذي يخرج به المتابعون لمسار «الثنائي الماروني» وتحديداً لأداء «التيار الوطني الحر» الذي ينطلق في مقاربته للقضايا من موقع «التوأمة» مع الرئاسة الأولى والعهد، فيذهب إلى أن النزعة الطائفية التي تعتري المسيحيين اليوم وتدفعهم إلى المطالبة باعتبار الطائفة المسيحية، على تنوع مذاهبها, كتلة واحدة قد تخدمهم مرحلياً في السياسة وتعزز حضورهم، لكنها سوف تفتح مستقبلاً شهية المسلمين لتطبيق هذا المبدأ في إدارة البلاد ما دام ينطلق انتخابياً من اعتبار أن المسيحيين يشكلون ثلث اللبنانيين والسنة الثلث الثاني والشيعة الثلث الثالث، الأمر الذي ستكون له انعكاساته السلبية على النظام السياسي، والذي من شأنه أن يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى نسف اتفاق الطائف إذا استمر النقاش يهيمن عليه الهاجس الطائفي لا الوطني.

ثمّة من يقول، في الغرف المقفلة، أن الرئيس رفيق الحريري هو مَن أطلق شعار «وقفنا العدّ»، وشكّل سداً منيعاً أمام أي طروحات تدعو إلى المثالثة. لكن صاحب هذا الشعار قد استشهد، والبلاد تشهد تحوّلات سياسية واختلالاً في موازين القوى، معطوفة على تحوّلات في المنطقة، قد يتم النفاذ منها لإعادة طرح البحث في الصيغة اللبنانية برمتها، خصوصاً مع ارتفاع حدة الخطاب الطائفي المرتكز على شعبوية استعادة حقوق المسيحيين من سطوة المسلمين، ما يعزز شعور الانقسام ويفتح الباب أمام مطالبات من مسلمين يرون أن منطق العدالة والمساواة بين الطوائف اللبنانية لا يستقيم إذا بقي المسيحيون الذين يمثلون اليوم 36 في المائة وفق إحصاءاتهم ونحو 30 في المائة وفق إحصاءات أخرى يستحوذون على المناصفة في السلطة هو المنطلق الذي كان وراء دعوات صدرت أولاً من طهران إلى عقد مؤتمر تأسيسي، والذي تم التصدّي له انطلاقاً من اعتبار أن لبنان بعيشه المشترك وتنوعه هو صيغة فريدة. لكن حين تزول فرادة الصيغة التي رسخها «اتفاق الطائف» وتحولت دستوراً نص ليس فقط على المناصفة بل كذلك على المشاركة والعيش المشترك، ستعلو عندها أصوات تطالب برفع الغبن والتمييز اللاحق بها تحت عنوان «نريد حقوقنا»!