المناورة تضيق أمام «حزب الله» للحفاظ على الورقة اللبنانية كجزء من أوراق إيران في المنطقة
مخاوف على ضفتي 8 و14 آذار من مغامرة عونية جديدة وقاتلة
بري أبلغ الحريري تمسكه بترشيح فرنجية حين فاتحه بدراسة خيار عون للخروج من المراوحة
ثمّة أسئلة تُطرح في الكواليس السياسية على ضفتي 8 و14 آذار عن المدى الذي يمكن أن يبلغه زعيم «التيار البرتقالي» العماد ميشال عون في تصعيده المتدرّج على خلفية الضغط لإيصاله إلى قصر بعبدا، وهو تصعيد قد يلامس الذروة مع ذكرى 13 تشرين الأوّل، تلك الذكرى التي تُشكّل يوماً أسود في التاريخ السياسي للجنرال، والذي أفضى إلى تركه القصر الجمهوري واللجوء إلى السفارة الفرنسية ومنها إلى منفاه الباريسي.
فأداء «التيار العوني» يشي بأن «الجنرال» اتخذ قراراً بالذهاب بمواجهته إلى خط اللاعودة، بدءاً من السعي لتعطيل مجلس الوزراء، إلى تعطيل الحوار، وصولاً إلى الانغماس في لعبة الشارع، وهو مسار يجعل «التيار» في وضع صعب، بحيث لا يستطيع معه أن يتراجع ولا أن يتقدّم مما يُدخله، حسب رأي مراقبين، في مأزق سياسي ويضعه أمام لحظة الحقيقة حيال موقف الحلفاء منه.
فـ«حزب الله» يُؤكّد على الدوام دعمه للجنرال عون لرئاسة الجمهورية من موقع تحالفه الاستراتيجي معه، معتبراً أن ترشيحه له ينطلق من موقف أخلاقي، وفاءً لوقوف «الرابية» إلى جانبه في المحطات السياسية الحسّاسة، سواء خلال «حزب تموز» أو الانقلاب على حكومة سعد الحريري أو المشاركة في الحرب الدائرة في سوريا. وقد عمل الحزب في محطات كثيرة على تبريد «حال الغليان» العوني لتفادي انحراف اللعبة السياسية عن المسار المسموح به بما لا يؤثر على الاستقرار الداخلي، وكان آخرها التضامن معه بالغياب عن جلسة مجلس الوزراء الأخيرة بعدما كان سايره على طاولة الحوار.
على أن الحزب، برأي عارفيه، يرسم لنفسه هوامش محددة في تضامنه مع عون، ولا يسعه بالتالي الانزلاق إلى حدود تعريض الوضع الداخلي للاهتزاز السياسي والأمني، ولانفلات لعبة الشارع في ظل التطورات الإقليمية الراهنة التي توجب عليه عدم الانشغال في الساحة الداخلية عمّا يعتبره معركته الرئيسية خارج الحدود.
لكن الاعتقاد السائد لدى أوساط مراقبة هو أن هامش المناورة لدى «حزب الله» حيال تبني ترشيح عون للرئاسة قد بدأ يضيق، ولا سيما عقب تبني رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لهذا الترشيح، ومحاولة الأخير اللعب على وتر العلاقة بين عون و«حزب الله» في الملف الرئاسي بعدما أمّن التحالف العوني – القواتي غطاءً مسيحياً أوسع لجنرال الرابية. فمن الأسئلة التي تطرح في الكواليس السياسية: ماذا سيكون عليه موقف «حزب الله» إذا تمادى عون في نهجه التصعيدي الذي يُعيد إلى الذاكرة التجربة السياسية للجنرال يوم كان رئيساً للحكومة العسكرية، ويوم سعى إلى السير عكس تيار التسوية الإقليمية والدولية والتي أنتجت اتفاق الطائف، محاولاً كسر «الستاتيكو» آنذاك، ما أفضى إلى نتائج مدمرة له وللمسيحيين على حدّ سواء؟
فالعارفون بسلوكيات عون السياسية يتخوفون من أن يُعيد التاريخ نفسه، انطلاقاً من الهاجس الذي يخيّم على الرابية من أن الوقت بدأ ينفد ومعه بدأ يندثر حلم الرئاسة، فحين انسدّ أفق الرئاسة في وجهه عام 1989 قلب الطاولة، وهو اليوم يعيش المرحلة ذاتها ما يرفع منسوب الحذر من إقدامه على خوض المغامرة مجدداً واللعب خارج الحدود المتاحة في محاولة لضرب «الواقع القائم»، والذي هو نتاج توافق إقليمي – دولي بالحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار، والذي تُشكّل الحكومة القائمة مفتاحه الأساسي، وحجر الزاوية في تمرير المرحلة الراهنة بأقل الخسائر الممكنة على لبنان إلى حين تبلور المشهد الإقليمي المشتعل على أكثر من جبهة، بانتظار اتضاح معالم التسوية والتي لا يتوقع لها أن تبصر النور قبل وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، وتبيان المسار الذي ستسلكه الإدارة الأميركية الجديدة في سياستها الخارجية حيال ملفات المنطقة، بدءاً من سوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى اليمن.
فإنجاز التسوية الإقليمية من شأنه أن يفتح الباب أمام الوصول إلى تفاهمات داخلية تُعيد الانتظام إلى المؤسسات وتُخرج الاستحقاقات الدستورية إلى حيز التنفيذ. هذا الواقع يرسم حدوداً للاعبين المحليين ويضع سقوفاً لا يمكن لأي فريق تجاوزها، وهو ما يجعل الحذر من مغامرة عونية مشروعاً، ليس فقط لدى فريق من المسيحيين يتخوّف من أن تؤول تلك المغامرة إلى إعادة إضعاف المكوّن المسيحي على غرار ما جرى بُعيد 13 تشرين من العام 1989، بل أيضاً لدى الحليف الاستراتيجي للجنرال، ذلك أن «حزب الله» سيجد نفسه في وضع حرج، وأمام قرارات صعبة بين أن يجاري عون في مغامرته بالأجندة والتوقيت اللذين يفرضهما، وبين أن يضطر إلى التمايز عنه إلى حد التعارض والافتراق، بما يفقده الغطاء المسيحي له الذي حرص على الحفاظ عليه طوال السنوات العشر الماضية.
تحرص جهات لصيقة بـ«حزب الله» على القول أن الحزب لا يناور بترشيح عون، وأنه إذا سار سعد الحريري به يتم انتخابه غداً، لكن في هذا القول الكثير من «التقيّة»، ذلك أن أسارير «الحزب»، حسب عارفين، انفرجت حين بلغه أن الحريري فاتح الرئيس نبيه برّي بأنه يدرس جدياً خيار السير بعون للخروج من المراوحة القاتلة، وأن برّي أبلغه تمسكه بالمرشح سليمان فرنجية وليس في وارد السير بعون… وقبله سعى «الحزب» إلى إيصال إشارته إلى زعيم المختارة للجم اندفاعته في إطلاق مواقف تؤيد الذهاب إلى خيار عون. فهل أضحت فعلاً هوامش المناورة أمام الحزب ضيّقة، ما قد يدفعه إلى إعادة مراجعة سياسته «التكتية» وتبديل قواعد اللعبة، أم أنه لا يزال قادراً على تمرير الوقت للحفاظ على بقاء «الورقة اللبنانية» كجزء من «الأوراق الإيرانية» بانتظار التسوية – المقايضة في المنطقة؟!