شبّه وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الانعطافة الاحتوائية للتشنجات السياسية، التي هبّت على الوسط السياسي في لبنان مؤخراً، بالصحوة…
وماذا يمكن أن يقال افضل من هذا القول، بدخول الوزراء الى مجلسهم وهم في ذروة الاستنفار، كل مجموعة خلف متراس بمقابل مشاريع الآخر، فريق التغيير والاصلاح ضد مشروع وزير الاتصالات لتشغيل الخليوي، والفريق عينه متضامناً مع وزيري حزب الله ضد فريق المستقبل المطالب بتمكين الاجهزة الامنية من متابعة داتا الاتصالات رصداً للمطلوبين من رجال العصابات العشوائية والمنظمة التي تعيث في البلد فساداً تحت خيمة الفوضى السياسية والامنية المستشرية، لتاريخ بدء تنفيذ الخطط الامنية على الاقل. وفريق المستقبل يريد قبول هبة مفوضية اللاجئين الدولية لوزارة الشؤون والموظفين الساهرين على اغاثة اللاجئين السوريين، بينما وزير الخارجية جبران باسيل يطلب التوضح تلو التوضيح… ليخرجوا بعد اربع ساعات وهم في ذروة السكينة والانشراح…
لقد بدأت الجلسة بنقاش حاد، وانتهت بتفاهم الحد الادنى. تمديد تقني لشركتي الخليوي حتى نهاية السنة، وتسليم داتا الاتصالات للاجهزة الامنية، كاملة ولمدة سنة، وسحب الوزير باسيل لتحفظه على الهبة الدولية لوزارة الشؤون، اضافة الى تأجيل موازنة الدولة الى جلسة خاصة الثلاثاء، ويا دار ما دخلك شر…
على مستوى الخطاب الناري للعماد ميشال عون بعد اجتماع كتلته الثلاثاء، واعلانه العزم على ترك من يتركني من الناس، توقع البعض جواباً من حزب الله، بذات العيار، واذا بالنائب نوار الساحلي يستعوذ بالله من مجرد التفكير بترك حزب الله للعماد عون، بينما اعتبر نواب الحزب الآخرون، انهم غير معنيين بتصريحات عون، ولا يدرون لمن كان يوجه هذا الخطاب.
وزيادة على ذلك، كان التطمين من الرئيس نبيه بري بأن لا جلسة تشريعية لمجلس النواب، قبل تأمين ميثاقيتها، بمعنى تأمين الحضور النيابي المسيحي الوازن، وهو المتعذر الآن في ظل توافق التيار الحر والقوات والكتائب على اللاتشريعية، بغياب رئيس الجمهورية، الا ضمن حدود ضيقة معروفة.
فتح الابواب مجدداً من جانب حزب الله وفريقه، على الحلفاء وقبلهم الخصوم، مع الاستمرار في مراعاة الفصل بين الحوارات الداخلية والتعارضات الاقليمية، ينبئ بأن الاطراف اللبنانية المحلية بدأت تستشعر خطر المتابعة في الطريق الاقليمي الوعر، وبات منطق بعضها يواجه في بيئته، بأقل نسبة من الاصغاء، حتى انها صارت مضطرة للتوضيح والتصحيح في امور كانت في عرفها من اسرار الآلهة وخصوصيات الذات…
وضمن اللهجات المتغيرة، التلويح بقرب معركة القلمون في سوريا، فبعد حديث الحشد وساعة الصفر وسواها من التمهيدات الاعلامية، لاحظت مصادر وزارية تباطؤ الكلام في هذا المجال، وردت ذلك الى اكثر من عامل اقليمي ودولي، مع الاخذ بالاعتبار العوامل المحلية، والعامل الاسرائيلي… فمع تراجع قوات النظام شمالاً، بات احتمال اتساع دائرة التدخل الاسرائيلي في الجنوب وارداً كما حصل مؤخراً…
الصحوة اللبنانية التي تحدث عنها وزير الشؤون تشمل ايضا الحوار الدائر بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، التي أكد رئيسها الدكتور سمير جعجع أمس ان الملف الرئاسي حاضر على طاولته دائما، وان المناقشات مستمرة للتوصل الى اتفاق مشترك، مؤكدا تفاؤله بالجو السائد الموحّد الذي تبلور في الموقف من الجلسة التشريعية لقوانين الضرورة.
ويبقى على لائحة الانتظار، ما سيقوله العماد ميشال عون في فندق الغراند حبتور اليوم، هل سيعتبر في أصداء ردود فعل حزب الله وباقي الحلفاء على خطابه الناري الثلاثاء، ما يكفي لاقناعه بسلامة التفاهم القائم معهم، أم تراه ما زال يجد الحاجة ملحة للمزيد من التلميحات والخيارات؟
المصادر المعنية، تنقل عن العونيين، ان تجربة ٢٠٠٨ مع العماد، لن تتكرر في هذه الدورة الرئاسية، فاما أن يصدقه الحلفاء الوعد، أو يذهب كل في حال سبيله…
لكن العماد عون نفسه يعترف بأنه حتى لو صوّت له كل الحلفاء، فان أعدادهم وحدهم، لا توصله الى بعبدا…
إذن المطلوب الرجوع الى الحوار، والعودة الى داخل حدود الوطن، وإلاّ ففالج لا تعالج.
في صيف ٢٠٠٦، زار لبنان وزير الشؤون الخارجية البريطاني كيم هاولز، وكان لبنان خارجاً للتو من حرب تموز مع اسرائيل، فسئل عن الوصفة العلاجية لحالة لبنان العصيّة على الشفاء وكان جوابه: علاجكم ليس في الصيدليات، بل بأيديكم، فلتكفوا عن ترك دول أخرى تستغلكم في سبيل خوض الحروب نيابة عنها، على أرضكم، ودعوا العصبيات الفئوية أو الدينية جانباً، فالدين جالب السعادة للناس، لا الشقاء…
انها وصفة نطاسي بارع، لكن لم يعثر عليها في الصيدليات اللبنانية ولا حتى في مصانع الأدوية المحلية…