< بعد صدامات 14 شباط (فبراير) 1989، بين الجيش اللبناني (ميشال عون) والقوات اللبنانية (سمير جعجع)، ظهرت في الصحف العالمية عناوين تنبئ عن اليأس من قيامة الوطن الصغير.
واختارت مجلة «ايكونومست» لصفحة الافتتاحية، عنواناً غير مألوف، نعت فيه الحرب الأهلية بكلمتين فقط: «موت لبنان»!
ودسّت هيئة التحرير في ديباجة المقال الافتتاحي إيحاءات سياسية مفادها أن لبنان، الدولة والمؤسسات، قد مات… وأن الدول العربية سترسل ممثليها للاشتراك في المأتم.
وانتقت هيئة تحرير المجلة سلسلة أحداث مفصلية لدعم توقعاتها المتشائمة، مدّعية أن الأسرة الدولية أخفقت في إيجاد الحل، وأن عمليات الإنقاذ لم تعد قادرة على إرجاع الروح إلى لبنان.
ردود فعل المغتربين على افتتاحية «الايكونومست» كانت غاضبة وساخطة. وانتهت أكثرية رسائل الاستنكار، التي نشرت المجلة بعضها، بالادعاء أن طائر الفينيق سينفض عنه غبار الزمن ويقوم من بين الركام.
وقد لا يكون من باب المبالغة الاعتراف بأن أجواء التشاؤم واليأس التي هيمنت على اللبنانيين خلال تلك الفترة الحرجة، عادت لتظهر من جديد بطريقة أكثر حدة وقلقاً.
ومع أن الأوضاع السياسية، المحلية منها والإقليمية، في هذه المرة، تختلف كثيراً عن الأوضاع التي سادت سنة 1975، إلا أن خبراء هذه المرحلة يؤمنون بأن إنقاذ لبنان سيتحقق عبر اختيار رئيس توافقي يحصل على ثقة الغالبية اللبنانية.
وبما أن رئيس المجلس نبيه بري يمثل في نظر اللبنانيين ضمانة المنسق العام لشؤون المرحلة الصعبة، فان تعليقاته لا تطمئن المتفائلين. خصوصاً بعدما تمنى على العماد ميشال عون أن يلعب دور «صانع الملوك»، أي أن يخرج من السباق، وينضم إلى فريق المحكمين.
وقد أدلى رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي بدلوه في معركة علم التنجيم فإذا به يعلن بلهجة التأكيد أن لبنان سيشهد انتخاب رئيس جديد بعد جلاء الأوضاع في المنطقة. ومع أنه لم يحدد الفترة الزمنية المتوخاة إلا أنه ربط موعد الانتخاب بجلاء الأوضاع في المنطقة. وهو بالتأكيد كان يشير إلى احتمال إبرام الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، وإلى التداعيات التي يمكن أن يتركها هذا التغيير على لبنان بصورة خاصة.
ويتصور السياسيون في لبنان أن هذا الإنجاز الكبير قد يؤثر على سلوك طهران حيال «حزب الله» بحيث يتنازل عن بعض نفوذه لصالح الجيش اللبناني.
الأوروبيون في هذا المجال يختلفون مع واشنطن في النظرة إلى الثورة الإسلامية بعد 36 سنة. وهم يرون أن هذه الثورة لم تبدل موقفها الثابت من ضرورة احتضان لبنان، واعتباره نجماً يدور في فلك نفوذها. وعندما حاولت إدارة رونالد ريغان مشاركة إيران في عملية الرعاية، سددت لها طهران ضربات موجعة في مقر المارينز والسفارة الأميركية. وكان من نتيجتها الانكفاء المذل الذي تحقق عبر انسحابات متواصلة، شملت القوات الفرنسية أيضاً.
وفي مرحلة لاحقة، ساعدت القوات السورية المنتشرة في لبنان قيادة «حزب الله» على توسيع نفوذه في الجنوب والبقاع الغربي وسائر المناطق المطلوبة للتدخل السريع.
وتؤكد مصادر إيرانية رسمية أن المرشد الأعلى، الإمام علي خامنئي، طلب من المفاوضين الذين اختارهم تحسين صورة إيران. من هنا يرى البعض أن المطلوب في عهد الرئيس اللبناني الجديد ليس تفكيك أجهزة «حزب الله» وإنما قبول عناصر الحزب في صفوف الجيش بحيث يحظى بشرعية كافية لإدارة عملياته.
الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان دعا السياسيين إلى ضرورة إيجاد توافق حول الملفات الأساسية، وعلى رأسها انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ورأى أن الجهود الداخلية تبقى أفعل من الجهود الخارجية، ولو أن الغطاء الدولي ضروري من أجل تأمين الاستقرار والاستمرار.
وقال الرئيس أيضاً: إن الحل يجب أن يرتكز على منهجية الحوار التي تمثل الأساس المتين لمعالجة كل الأمور العالقة.
يوم الاثنين الماضي رعى نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في «عين التينة» الجلسة التمهيدية لـ «حوار الضرورة» بين «تيار المستقبل» و»حزب الله.»
وأول مَنْ رحب بهذا الحوار رئيس مجلس الشورى في إيران علي لاريجاني، خلال زيارته الخاطفة إلى بيروت قادماً من دمشق.
ولكن هذا الحوار، الذي يُقدّر له أن ينتهي بالاتفاق على شخصية رئيس الجمهورية المقبل، لم يمنع المرشحين والمنظرين من الإدلاء بآرائهم.
عقب الجمود الذي شهدته عملية المنافسة بين رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون، ظهر فجأة على الساحة الرئيس الأسبق أمين الجميل.
ويقول محازبوه إن اتفاق المداورة والمناورة الذي عقده مع سمير جعجع لم يثمر، بدليل أن المراوحة طالت أكثر من المتوقع. لذلك قام الجميل بفسخ العقد، وقرر التودد إلى «حزب الله» عبر زيارة تاريخية للجنوب هي الأولى منذ عام 1983. وشملت الزيارة عدة محطات بينها: القليعة وحاصبيا والخيام ومرجعيون.
وقال في مرجعيون: «إن المآسي الناجمة عن الحركات الأصولية يجب أن تشجعنا على التماسك ووضع خلافاتنا جانباً حتى يستعيد لبنان دوره».
وكان بهذا الكلام يسعى إلى استرضاء «حزب الله»، وإقناع قيادته بأن أمين الجميل السابق لم يعد موجوداً، وأن أمين الحالي أعاد إنتاج نفسه بطريقة بعيدة عن قوقعة العزلة التي عُرِفت بها «الكتائب». وهذا ما حفـّزه لإنشاء مكتب للحزب في مرجعيون بهدف مشاركة مسيحيي المنطقة أفراحها وأتراحها. وهي منطقة ضمت في الانتخابات الأخيرة 40 ألف ناخب. وفي صيدا وحدها ثلاثة مطارنة للأرثودكس والموارنة والكاثوليك.
وبانتظار إطلالة رئيس توافقي، يكون ثمرة جهود الحوار الوطني، يراهن الكثيرون على عام 2015 كمحطة مفصلية في تاريخ مليء ببقع الدم والدموع.
وقبل وداع عام 2014 ضرب العنف الدموي في باكستان بطريقة إرهابية غير مسبوقة إلا في مجازر هولاكو وجنكيز خان. وكانت حصيلة انتقام «تحريك طالبان» مقتل أكثر من 140 تلميذاً في مدرسة «بيشاور». كل هذا لأن الجيش الباكستاني هاجم طالبان في مناطقها. لذلك انتقمت من ضباط الجيش بإعدام أطفالهم في مدرسة خاصة.
أنتوني ليك، مدير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، صنـّف عام 2014 سنة كارثية لأطفال العالم. وقال إن هناك أكثر من 15 مليون طفل حاصرتهم الحروب الأهلية في العراق وجنوب السودان والسودان وأوكرانيا وسورية وجمهورية أفريقيا الوسطى واليمن والأراضي الفلسطينية.
ولقد أضاف المدير إلى هذه القائمة عدداً من الدول التي تعاني من اضطرابات محلية مثل أفغانستان ونيجيريا وباكستان والصومال وجمهورية الكونغو.
وذكرت يونيسف في بيانها الأخير أن أطفال سورية تأثروا بأحداث الحرب الأهلية بصورة بشعة. وأعلنت أن هناك سبعة ملايين وثلاثمئة ألف مهجر بينهم مليون وسبعمئة ألف طفل فرّوا من البلاد. أما في العراق فقد تجاوز عدد الأطفال المشردين المليونين ونصف المليون.
وفي أفريقيا تعرضت صحة الأطفال لأخطار كبيرة مثل الانتشار القاتل لمرض «إيبولا» في ليبيريا وسيراليون وغينيا. كما حُرِم نحو من خمسة ملايين طفل من التعليم بسبب إقفال المدارس.
وسجل عام 2014 سلسلة أحداث سياسية أهمها إعلان الرئيس باراك أوباما حال التطبيع مع كوبا بعد نصف قرن من القطيعة تقريباً.
أما في تونس فقد فاز في انتخابات الرئاسة الباجي قائد السبسي، رئيس حزب «نداء تونس». وهو يُعتبَر أول رئيس منتخَب في شكل ديموقراطي منذ استقلت تونس عن فرنسا عام 1965.
واللافت أن ثورات «الربيع العربي» انطلقت من تونس قبل أربع سنوات عندما أحرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجاً على إهمال الدولة. ويرى المراقبون في انتخاب رئيس علماني لتونس أن هذا البلد الصغير سيتجاوز مختلف الأزمات التي تعصف بدول المنطقة، ويجدد تراث الحبيب بورقيبة وما تركه من ذخيرة وطنية لحقوق المرأة والشعب عموماً.
ومع احتمال هبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها خلال عام 2015، يتوقع الخبراء هبوط الإيرادات الخليجية إلى أكثر من 250 بليون دولاراً. كما يتوقعون أيضاً أن يصل عدد العاطلين من العمل في العالم العربي إلى 40 مليون نسمة.
ويتخوّف المسؤولون في الدول الأوروبية أن يؤدي انتشار البطالة إلى توفير المناخ الصالح لانخراط أعداد كبيرة من الشبان في المنظمات الإرهابية مثل «داعش» وخلافه. خصوصاً أن مثل هذه المنظمات تؤمن للمنخرطين في صفوفها الحماية والرعاية المادية، وفرص الكسب غير الشرعي.
كل هذا يتم في ظل أفق مسدود على مختلف الجبهات، العراقية والسورية والفلسطينية واللبنانية واليمنية والليبية. ومن المتوقع أن يزداد عدد الدول المرشحة للتفكك والانهيار في حال استمرت إدارة أوباما في إصرارها على خلع أنياب الدب الروسي وتقليم أظافره الطويلة!