إذا كان صحيحاً أن «المكتوب يُقرأ من عنوانه» فعنوان المرحلة الحكومية هو السرعة. وربّـما السرعة القياسية، فالجرجرة والمماطلة اللتان تميّزت بهما مرحلة التكليف استُبدلا بسرعة موصوفة فإقرار البيان الوزاري في لجنة الصياغة ضرب رقماً قياسيا يكاد يكون غير مسبوق في لبنان. ثم تحويله إلى مجلس الوزراء تم أيضاً في سرعة غير مألوفة، إذ عُقدت الجلسة صباح أمس بعد نحو 16 ساعة على انتهاء عمل لجنة الصياغة.
ويبدو أن الوضع في مجلس النواب لن يكون «غير شكل» فالأسبوع المقبل سيشهد نصفه الأوّل جلسة الثقة يومي الثلاثاء والأربعاء، وإذا اقتضى الامر تمدد جلسة مناقشة البيان والتصويت على الثقة بالحكومة الى قبل ظهر يوم الجمعة، بإعتبار أن يوم الخميس الذي تقع فيه ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري (14 شباط) هو يوم عطلة رسمية، وبالتالي لا يلتئم مجلس النواب في العطل الرسمية.
وهذه السرعة تنبئ بأنّ الجميع يتحسّس دقة المرحلة وخطورتها وفداحة الخسائر المعنوية والمادية التي مُني بها الوطن والمواطنون طوال الأشهر الثمانية التي أعقبت التكليف. عملياً 8 أشهر وأسبوع.
والثابت أنّ لبنان لم يعد قادراً على ممارسة هذا الترف غير المبرّر وغير المقبول، متعاظم الضرر.
ولقد ثبت في جلسة مجلس الوزراء أمس التي استطالت وانتهت ببيان من بضعة أسطر تلاه وزير الإعلام جمال الجراح، أنّ «ما كُتب قد كُتب» فالتعديلات التي أَقرت على البيان الوزاري الآتي من لجنة الصياغة لم تكن جوهرية، وهي اقتصرت عموماً، وفي معظمها، على كونها «لغوية»: تصحيح خطأ هنا وتقويم اعوجاج لغوي هناك المزيد من «الإيضاح والوضوح». وكان طبيعياً أن يُسفر هذان الإيضاح والتوضيح عن بقاء النص على حاله، حرفياً في الفقرة المتعلّقة بالمسألة الخلافية الجوهرية وهي «المقاومة» ومع أنّ وزيري الاشتراكي «يتفهمان» موقف زملائهم وزراء القوات إلاّ أنهما لم يشاركاهم التحفظ في التصويت. فبقي الوزراء القواتيون يغرّدون وحدهم من دون دعم أو سند ولكن مع «اقتناع بأننا على صواب» (على حدّ ما قال لنا مصدر قواتي بارز أمس).
واللافت ممّا رشح عن جلسة مجلس الوزراء أنّ هناك تفاهماً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري على عدم الفسح في المجال أمام الوزراء ليتباروا في الجدالات السياسية العقيمة ما يترتب عليه تضييع الوقت (والرئيس عون قال أمس إنه «لا يجب إضاعة الوقت أكثر») وأيضاً من أجواء حادة وتشنّج من شأنها أن تنعكس سلباً على البلاد والعباد.
ويبقى السؤال: هل يحجب نواب القوات الثقة عن حكومة لهم فيها أربعة ممثلين؟! المنطق الديموقراطي يجيب بالنفي، وإن كانت ثمة مرارة قواتية لا شك في أن الدكتور جعجع يبحث لها عن دواء ناجع، وهو الحكيم.