احتفل لبنان في يوم الحب من ١٤ شباط ٩٣ حتى ١٤ شباط ٢٠٠٥ وذلك بعد ان استعاد الشعب اللبناني روحيته السياسية باجراء اول انتخابات بعد انقطاع دام عشرين عاما، كانت مليئة بالقتل والدمار والتهجير والاقتلاع من الجذور والامعان في صناعة الكراهية والاحقاد بين ابناء الوطن الواحد والتاريخ الواحد والمدرسة الواحدة والبلدة والقرية الواحدة، كانت سنوات عجاف سادت خلالها شريعة الغاب والعيش كالوحوش، حين انكفأ رواد الخير والسلام وتحكمت ثقافة الكراهية والاحقاد بكل الطوائف والمناطق والاتجاهات الحزبية والعقائدية، التي جعلت من لبنان وطنا ثانيا لجميع ابنائه وقدمت الولاءات الخارجية على الولاء للوطن النهائي لبنان.
اجتهد اللبنانيون بعد العام٩٢ بابتكار طقوس الاحتفال في يوم الحب كل ١٤ شباط، وبالتأكيد على انسانيتهم ووطنيتهم من خلال حبهم لوطنهم ومواطنيهم، وكانوا سعداء بما تم انجازه خلال سنوات ما بعد ٩٢ من عودة انتظام المؤسسات والإعمار وإعادة الاعتبار للسياسة بما هي حب الناس، حيث تم وصل ما انقطع بين كل اللبنانيين بدون استثناء عبر رمزية الشخصية الوطنية التي استهدفت بالاغتيال في يوم الحب ١٤ شباط ٢٠٠٥، تلك الشخصية الودية والاستثنائية التي اختصرت بحيويتها ومرونتها ونجاحها وكرمها رغبة معظم اللبنانيين بتجديد الحياة الوطنية وذلك من خلال استيعاب ذلك الرمز لشغفهم السياسي وتفهمه لرغبتهم في المشاركة وحقهم في مناقشة السياسات العمرانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
١٤ شباط ٢٠٠٥ كان لبنان قد استعاد كل اسباب الحياة والسياسة بما هي حب الناس، حيث كان هناك من تقبل الشراكة والتداول والتواضع وذلك بموازاة اوهام الاستبداد والاستتباع والتحكم بالسلطة بما هي حب الذات والكارهة لنجاح لبنان من جديد في تقديم نموذج لارادة الشعوب المحبة للحياة والقادرة على تجاوز الازمات والتحديات واستعادة الوحدة والعيش بسلام وتجديد الايمان بحرية الافراد والجماعات في دولة القانون والمؤسسات بعيدا عن جور الاحتلال وقهر الوصايات على مدى عقود طوال.
يوم ١٤ شباط ٢٠٠٥ كان نقطة تحول عميقة وشديدة الالتباس بين جريمة الاغتيال واختطاف الاغتيال وبين حماية الاستقرار والانجازات وبين الثأر من الماضي وادواته على حساب المستقبل وضروراته، وتجاهل حقيقة الاغتيال بالصياغات الملتبسة من الخصومات والتحالفات مما جعل من يوم ١٤ شباط منذ ٢٠٠٥ يأخذ في كل عام شكلا مغايرا لما سبقه من الاعوام، خوفا من مقاربة المعنى الحقيقي للاغتيال الذي هز قلوب ووجدان كل الانقياء من ابناء لبنان الطامحين الى بناء مستقبل آمن ومستقر للابناء والاحفاد، والذين أرادوا متابعة خطى تلك الشخصية الاستثنائية التي شاركتهم الاحزان والافراح والالام والامال ووعدت فانجزت وهؤلاء الانقياء وجدوا في الاغتيال خسارة فوق كل الخسائر، في حين ان هناك من اعتبر الاغتيال فرصة لتأبيد القهر والاستبداد وهناك من اختطف الاغتيال من اجل الثأر وتصفية الحسابات او من اجل استعادة الامجاد واعادة تكوين العصبيات الحزبية والطائفية، وهناك من اعتبروا الاغتيال فرصة من اجل التمتع بالسلطة والمقامات والاضواء والامكانيات وآثروا الترقي والصعود الى الأعلى بديلا عن التقدم الى الامام، وهناك من تجرع الاغتيال ومرارته ونكباته ومسؤولياته وانقلاباته وخساراته على مدى سبعة عشر عام، وهو الذي استطاع قبل اسابيع من الآن ان يجعل من ١٤ شباط ٢٠٢٢ يوما شديد المرارة والوضوح وبدون التباسات ويوما فاصلا بين الاغتيال والاختطاف وبين الحب والكراهية والصداقات والخصومات ومعلق بين ماضي ومستقبل لبنان.