Site icon IMLebanon

14 شباط وانكشاف الخصوم

 

 

«استراحة المحارب» التي اختارها زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري عنواناً لعزوفه وتياره السياسي عن الترشح للانتخابات النيابية، قد تخيّب آمال بعض الفرقاء الذين يتعاطون مع إعلانه تعليق العمل السياسي قبل 3 أسابيع على أنه إنهاء لدوره السياسي في المعادلة اللبنانية.

 

ليست ذكرى 14 شباط، وحضوره إيّاها على ضريح والده في الذكرى السابعة عشرة لجريمة اغتيال رفيق الحريري، وحدها أحد المؤشرات إلى حتمية استمرارية هذا الدور، وإلى أن الجمهور العريض الذي يشعر بالغبن جرّاء اضطرار زعيمه إلى الابتعاد، سيعود إلى الالتفاف حوله، وأن المحارب لن يستطيع البقاء في الظل، مهما طالت مدة الخطوة التي خطاها إلى الوراء. يتحتّم عليه أن يهيّئ للخطوتين المقبلتين إلى الأمام. وهما لا تقاسان بالأيّام والأشهر. والحضور على الضريح اليوم قد يكون بداية.

 

ما يواجه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من عقبات وعراقيل حتى الآن يدل إلى أن انكفاء الحريري لم يكن مناسبة تستفيد منها السلطة الحاكمة من أجل تقديم إنجازات على طريق الإنقاذ، بدليل اعتماد أساليب أكثر التواء ومعاكسةً للدستور والقوانين في تهريب الموازنة وبعض التعيينات من دون الأخذ برأي الوزراء.

 

ولعل كلّ ما يدور من أسئلة وأحجيات عن انعكاسات غياب «المستقبل» عن حلبة المنافسة الانتخابية، إن لجهة ميزان القوى في الندوة البرلمانية المقبلة، أو لجهة انعكاسات إضعاف المكون السني على التوازن السياسي اللبناني برمّته، يدلّ إلى مدى الحاجة إلى الحريري الإبن في ظروف كالتي يمرّ بها لبنان. بهذا المعنى ربما كان غياب الحريري لمدة من الزمن استكشافاً لمدى استمرار الحاجة إليه، وللثقل الذي يمثله في التوازن اللبناني المصاب بالاختلال نتيجة تعطيله ومنع رئاسة الحكومة من ممارسة صلاحيّاتها طوال السنوات الماضية، بهدف إضعاف الموقع والحؤول دون قيام قاعدة سياسية تمكّن الدولة من ممارسة الحد الأدنى من سيادتها.

 

سواء أعجبنا ذلك أم لم يرق لنا، يرمز ابتعاد الحريري عن المشاركة في القرار السياسي المركزي، عبر العراقيل التي جرى اصطناعها أمام تشكيله الحكومة طوال العام الماضي، وقبلها التعطيل الذي واجه الحكومتين اللتين ترأسّهما في عهد الرئيس ميشال عون، إلى أن هناك حاجزاً كبيراً يحول دون قيام مشروع الدولة ودون اتخاذ القرارات التي تنقذ لبنان من الاتجاه نحو الانهيار الكامل. فالسبب الذي ابتدعوه لتبرير فشل السلطة الحالية، أي الحريري قد تنحّى جانباً وبات في إمكانهم إظهار قدرتهم على انتشال البلد من الهوّة العميقة التي هو فيها، وإجماع الخصوم والحلفاء على أن عزوف «المستقبل» عن العمل السياسي لجهة المشاركة في الحكومة والبرلمان، يترك فراغاً ليس في الطائفة السنية فحسب بل في المعادلة اللبنانية الدقيقة والمعقّدة وفي آلية عمل الصيغة اللبنانية داخل المؤسسات، وعلى المسرح السياسي التقليدي. الحلفاء سيفتقدون إلى نصير لهم يعطي لاعتراضهم على التركيبة الحاكمة وزناً وقيمة، فبات لاعتراضهم بغياب «المستقبل» عن المسرح النيابي، فعاليّة وتأثير أقل. والخصوم سيكونون بلا غطاء لوجودهم ولسياساتهم، تؤمّنه لهم اللعبة السياسية التقليدية فتمنحهم بعض المشروعية حتى وإن خضعت للرفض والمعارضة. أي أنّ غياب الحريرية سيكشف الفريق الحاكم، تحالف «حزب الله» و»التيار الوطني الحرّ». وإذا كان هذا الفريق يرفع منذ سنوات شعار إسقاط «المنظومة» السياسية والمالية التي اعتمدت تلك السياسات، بات عليه أن يستعرض الآن قدراته على اجتراح الحلول لا اصطياد المواقع في الدولة لأسباب فئوية وانتخابية، كما يفعل الآن. وعليه أن يتحف اللبنانيين بخياره التوجه شرقاً لإعادة بناء الاقتصاد بدلاً من اللجوء إلى صندوق النقد الدولي.

 

إفتعلت القوى المهيمنة على السلطة في لبنان وتحديداً «حزب الله» و»التيار الحر» شعار «تراكمات الممارسات الخاطئة للسنوات الثلاثين الماضية» من أجل التصويب على الحريرية السياسية لتبرير الانهيار الاقتصادي المالي الذي سبّبته هي. بات عليها أن تثبت صحة ادّعائها بأن خياراتها ستحدث أعجوبة الإنقاذ، التي لن تأتي، ما سيزيد من انكشاف هذه القوى.