مع اقتراب ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يكثر الحديث عن تفاصيل عودة رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري للمشاركة في الذكرى، اذ يرى فريق من السياسيين ان مناسبة ١٤ شباط هذا العام تختلف عن الأعوام السابقة من حيث الشكل الشعبي والمضمون، حيث يتوقع ان يقوم الحريري بعدد من اللقاءات منهيا اعتكافه السياسي، كما يتوقع ايضا ان تتخلل عودته السريعة إعادة ترتيب البيت الداخلي لتياره، وإجراء مصالحات سياسية أولية، ونسج علاقات مختلفة تمهد لمرحلة التسويات المقبلة على الساحة اللبنانية. ويستند أنصار هذه النظرية الى تحسن الظروف الخارجية التي كانت تشكل عائقا فيما مضى واختلاف المعطيات الداخلية، اذ ثبت برأي هذا الفريق انه على الرغم من تراجع حضور “المستقبل” وبروز شخصيات سنية، لكن الحريري لا يزال الزعيم السني الأكثر شعبية. وباعتقاد هذا الفريق ان مهمة الحريري تواجه صعوبات في حال عدم إجراء مصالحات سياسية، فيما يمهد تراجع الدور السني بالمعادلة الداخلية الى سلوك الحريري الطريق السليم.
من هنا، تتوقع مصادر سياسية ان تحمل مشهدية ١٤ شباط الكثير من الرسائل والدلالات، في ظل الاخبار عن عودة الحريري الصاخبة على المستوى الشعبي، لتفعيل دور “المستقبل” بعد تعليق العمل السياسي لمدة سنتين، على قاعدة ان لا أحد قادر على تعبئة فراغ الشيخ سعد إلا نفسه.
من المقرر، كما تقول المصادر، ان يلتقي الحريري سياسيين بقي على تواصل معهم، وهناك احتمال ان تشمل لقاءاته نواب ومسؤولين من “التيار الوطني الحر” من حلقة الأصدقاء الشخصيين للحريري، من دون ان يعني ذلك بالضرورة مصالحة بين “المستقبل” و “الوطني الحر”، تنهي الخلاف السابق على قاعدة “عفا الله عما مضى”.
وفي حين يعتبر النواب السنة “التغييريون” ان عودة الحريري ليست مؤثرة في حضورهم، ولن تعطي مفاعيل مهمة، حيث الاختلاف باق في المقاربة السياسية والعمل السياسي، وتبدو مقاربة القوى المسيحية لهذه العودة مختلفة، اذ تنظر “القوات” و “الكتائب” الى ان عودة الحريري بما يمثله من حضور شعبي وسياسي واعتدال سني امر حيوي ومهم وسط الجمود والمراوحة القاتلة، فيما الأنظار تتجه الى موقف “التيار الوطني الحر” من هذه الخطوة، في ظل ما وصلت إليه العلاقة من توتر قبل خروج الحريري من السلطة. واللافت ان “الوطني الحر” أصدر إشارات ايجابية عديدة حيال مسألة عودة الحريري، حيث تمنى رئيس التيار جبران باسيل من دار الإفتاء قبل فترة عودته الى رئاسة الحكومة، فيما تعبّر قيادات عونية عن اشتياقها لعودة الحرارة الى علاقة ” الوطني الحر” و”المستقبل”، فالنائب ألان عون أكد ان الحريري يملك الشجاعة لفتح الثغر، والبلاد بحاجة الى عودة منطق التسويات.
“ثورة ١٧ تشرين” كانت المحطة الاخيرة في مسلسل انهيار علاقة الطرفين، فالتيار لم يتقبل استقالة الحريري وتركه العهد يتحمل مسؤولية الانهيار وتحلل الدولة، لكن “الثورة” لم تكن المحطة الوحيدة، بل تراكمات اوصلت العلاقة الى هذا المستوى، بدأت بتحميل “الحريرية السياسية” تبعات الفساد والافلاس المالي والسياسي، فيما كان واضحا في المرحلة التي سبقت اعتزال الحريري ذهابه الى خيارات وتفاهمات، واستبدال التحالف مع التيار بمكونات أخرى ورفع منسوب التفاهمات بين “المستقبل” وعين التينة و “المردة” والحفاظ على قواعد الاشتباك مع حزب الله.
سعد الحريري وجبران باسيل خسرا سياسيا بدرجات متفاوتة، فالأول غادر السلطة وتشظى بانقلاب التيار على عودته الى السراي، فيما “الوطني الحر” تضررت صورته كتيار إصلاحي وتراجعت شعبيته المسيحية. فهل ينجح الطرفان في إعادة إحياء العلاقة لكن بشروط لا تنطبق على التسوية المميتة السابقة بينهما؟