قبل 19 عاماً، وعلى أثر إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 14 شباط من العام 2005، تداعى اكثر من نصف اللبنانيين الى تظاهرة شعبية في ساحة الشهداء في العاصمة بيروت، بطلب من شخصيات سياسية من طوائف مختلفة تحت عنوان “الإنتفاضة الثورية”، التي تمثلت اهدافها بضرورة إنهاء النفوذ السوري في لبنان، وتكوين لجنة دولية للتحقيق في اغتيال الشهيد رفيق الحريري، واستقالة مسؤولين امنييّن وتنظيم انتخابات نيابية نزيهة، والى ما هنالك من مطالب تصّب في خانة تحقيق إستقلال لبنان.
هذه التظاهرة حوت حشوداً من المسيحيين والمسلمين والدروز وكل طوائف لبنان، فوحّدت حينئذ الصلوات على وقع أجراس وصلاة كاتدرائية مارجرجس، وآذان جامع محمد الامين في وسط بيروت في الوقت عينه، وجمعت الشيوخ والكهنة في آن واحد يصلّون امام ضريح الرئيس الحريري، ونتج عن تلك الانتفاضة فريق سياسي حمل إسم فريق 14 آذار بعد شهر من الإغتيال، فسقط له شهداء من كل الطوائف لشخصيات سياسية، إستطاعت تحقيق بعض اهداف تلك الإنتفاضة، التي جمعت افرقاء لطالما كانوا بعيدين ضمن مسافات سياسية شاسعة، لكن شعار “لبنان اولاً” جمعهم، فكانوا يشكلون القوة السياسة الاكبر على الساحة السياسية، فيما اليوم ومع مرور تلك السنوات وجراء العراقيل والعقبات التي وُضعت امامهم، تلاشى الحماس الذي كان طاغياً في نفوس مؤيدي ومناصري تلك الانتفاضة.
الى ذلك، غابت منذ سنوات تلك الصور عن أذهان اللبنانيين، فلم تعد الوحدة جامعة لهم، وهذا ما بدا بصورة خاصة في ذكرى 14 شباط هذا العام، اذ سُجّل غياب لافت لمناصري الاحزاب المسيحية التي كانت تشارك في تلك الذكرى، حتى “التيار الوطني الحر” كان من المشاركين في 14 شباط 2005 وفي تأسيس انتفاضة 14 آذار، كذلك “القوات اللبنانية” من خلال مناصريهم، الذين وعلى مدى سنوات عديدة كانوا من اوائل المشاركين فيها، لكن اليوم كل شيء بات غائباً، والساحة كانت خالية من مناصري الاحزاب المسيحية، فقط إقتصرت على الحضور السنيّ وخصوصاً من المناطق الشمالية، ولم تعد الوحدة التي ميزت ذلك النهار قبل 19 عاماً موجودة، لا بل باتت في غياهب النسيان.
في السياق وحول إمكانية إعادة الحياة الى تلك الذكرى كمبادئ وخطة مستقبلية، تقول مصادر كانت رأس حربة في ذلك الفريق: ” للاسف القادة الذين أسسوا تلك الإنتفاضة التي نشأت عن إغتيال الرئيس رفيق الحريري اصبحوا منقسمين ومشرذمين منذ سنوات، والخطاب الثوري غائب، والزعماء تفرقوا، ولم تعد تلك الثورة الشعبية سوى ذكرى، تناسى اركانها ان يحتفلوا بها بعد تشتتهم وخلافاتهم وكأنها لم تكن، خصوصاً بعد العام 2019 تاريخ بدء الازمات والانهيارات الفعلية في لبنان، حيث لم يعد جمهورها يملك الحماسة لإحيائها، بسبب الاوضاع الصعبة التي يعيشها لبنان واللبنانيون بصورة عامة.
ورأت المصادر المذكورة أنه بات من الصعب جداً إستعادة مشهد الوحدة بين أركان ذلك الفريق، لان الشعارات التي جمعتهما تكاد تصبح في خبر كان، والعلاقة محتاجة الى إعادة ترميم كبيرة ، بعد مرورها بمطبّات عدة لم يسلم منها احد. وما زاد في الطين بلّة تلك الهجومات على مواقع التواصل الاجتماعي بين انصار الاحزاب التابعة لذلك الفريق، حتى انها وصلت الى معقل الرياضة بين فريقيّ الحكمة والرياضي، وما نسمعه خلال اي مباراة بين الفريقين يؤكد ذلك.
وعلى خط الاوساط الشعبية فالوضع اكثر وضوحاً، اذ تعتبر هذه الاوساط انّ تلك المشاهد السياسية انتهت، فلا تحالف ولا مَن يحزنون، اذ اصبح كل طرف يهوى سياسة معينة لا نفهم عليها. ولفتت الاوساط الى ضرورة التحضير لطريقة عمل جديدة تحوي التخطيط والتنسيق من جديد، لاننا كجمهور وُعدنا بالكثير ولم نرَ شيئاً، لذا نحتاج الى صرخة مغايرة، أي ثورة جوع وسط كل ما يجري حالياً في البلد من ازمات يومية، ثورة لبنانية مسيحية – اسلامية تجمع كل اللبنانيين، لتحصيل حقوقهم اولاً من السياسيين الفاسدين، الذين اوصلونا الى هذا الدرك الخطر.