من الشائع أن كل المسائل تكبر مع الوقت، إلا المصيبة فإنها تبدأ كبيرة، لكنها تصغر مع مرور الزمن.
الشائع هنا لا يشمل الرابع عشر من شباط، إذ إننا بعد 11 سنة من الزلزال الكبير الذي أصاب لبنان والعالم باستشهاد الرئيس رفيق الحريري، نرى كم إن الفراغ يكبر والضياع يكبر.
لا ازال اذكر كيف رقص الناس وهللوا على أرصفة كورنيش بيروت البحري مع تكليفه رئاسة الحكومة عام 1996. كانت المشاعر تتعدى الفرح إلى النشوة، والأمل بمستقبل لبنان مع قيادة رفيق الحريري للحكومة وللبلاد.
عاد الآلاف من اللبنانيين الذين نزحوا خلال سنوات الحرب الأهلية، ثقة منهم بنهضة متوقعة مع رفيق الحريري، صانع الأحلام الكبيرة.
وما إن بدأت الأحلام تتحقق، حتى بدأت الحرب الشعواء على مشروعه وقيادته منذ عام 1998. وعندما رفعته بيروت على الأكف عام 2000 فارساً على صهوة جواد أبيض، عاش لبنان مرحلة ثانية من النهوض. لكن الحملة الحاقدة لم تتوقف حتى 14 شباط 2005، واستشهد الفارس على صهوة جواده، منتصب القامة، مرفوع الجبين.
اليوم وبعد أحد عشر عاماً من غيابه لا نرى أي مشروع قد تحقق لا في البنى التحتية ولا في سواها.
الكهرباء التي أمنها 24 ساعة عام 1996 تحوّلت إلى عتمة.
المستشفى الحديث الذي بناه يتعرض لإهمال مقصود يضعف قدراته، وكذلك المطار الذي لم يتطور منذ بناه، والمجمّع الجامعي يفتقد الصيانة، وجوهرة إنجازاته قلب العاصمة ووسطها يتعرض لهجمة بربرية. وعاد اللبنانيون يهاجرون بكثافة من أجل الكرامة ولقمة العيش.
وفي السياسة نجد أن اتفاق الطائف الذي ساهم فيه بقوة، والذي يفتح أفاق بناء لبنان الوطن، يتعرّض أيضاً لهجمة تريد إنشاء لبنان الطوائف والمذاهب، بدل لبنان الوطن والمواطنين الذي أراده اتفاق الطائف.
ثم نرى حولنا الحرائق والحروب تدمر أقطاراً عربية عدة، وخاصة مأساة سوريا الشقيقة المجاورة لنا.
نقف اليوم عاجزين، مكتفين بتلقي نتائج هذا الدمار من حولنا، ونفتقد عملاقنا المبادر، كما فعل في عدوان 1996، عندما اقتحم عواصم العالم والتقى قادتها، وحقق توقف العدوان والاعتراف بشرعية مقاومة العدو.
أجزم اليوم، أن زلزال استشهاد قائدنا في 14 شباط، كان الشرارة الأولى لأزمة لبنان ومأساة العرب.
كرر دائماً مقولته إن «لا أحد أكبر من وطنه». هذا صحيح لكن أبا بهاء انطلق من بلده الصغير، كبر به وكبّره ليأخذ لبنان دوراً فاعلاً في دنيا العرب وفي العالم.
يا فارس لبنان العظيم
«اشتقنالك» ليست مجرد كلمة عاطفية، رغم أنها تختصر المحبة الدافقة نحوك. إنها أيضاً تختصر الفراغ الهائل الذي نشعر به، والشوق الى استعادة الامل بالحاضر والمستقبل الذي افتقدناه بغيابك.
وسنبقى معك، مع مشروعك ومع سعدك، حتى تتحقق أحلامنا، ولو بعد حين.