تختلف كثيرا مشهدية إحياء ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عن السنوات الأربعة عشرة الماضية تبعا للظروف السياسية التي انتجتها ثورة 17 تشرين الثاني والانقلاب الكبير في المتغيرات ومسار تيار المستقبل الذي كان القوة الأكبر على الساحة السنية بدون أي منازع.
سعد الحريري اضحى خارج المعادلة السياسية وفقد منصب الرئاسة الثالثة التي كانت له لدورات سياسية متتالية، بعد أن ألزمته الانتفاضة الشعبية على الاستقالة وعلى السير مرغما بخيار حكومة حسان دياب، فأمّن لها المستقبل النصاب لجلستي الموازنة والثقة بدون ان يتضح بعد ما الذي يرغم المستقبل كما الحزب الاشتراكي على تقديم هذا الترف لحكومة دياب التي شن عليها الطرفان أبشع الحملات في مجلس النواب وفي المواقف كما عاقباها بحجب الثقة عنها.
التبدل الذي طرأ على الذكرى التي تقام في «بيت الوسط» هي ايضا في الشكل والمضمون، فالاحتفال تم نقله من قاعة «البيال» الى «بيت الوسط» في دلالة وتفسيرات عديدة، فتيار المستقبل تعرض لخضات سياسية كبيرة بعد فرط التسوية مع العهد والتيار الوطني الحر وقد درجت العادة في السنوات الماضية ان تجلس قيادات التيار الوطني الحر في الصفوف الأمامية (عام 2019 كان الحريري محاطا بالوزير السابق سليم جريصاتي ورئيس حزب القوات سمير جعجع والموفد السعودي نزار العلولا)، لكن اغتيال التسوية مع التيار الوطني الحر جعلت التيار يغيب عن الذكرى اليوم، كما ان علاقة الحريري بمعراب لا تمر بشهر عسل، وان كان الطرفان في المركب السياسي نفسه المعارض لحكومة دياب وخارج السلطة التنفيذية، إلا ان المحاولات المبذولة لتقريب وجهات النظر ومداواة الجرح بين معراب وبيت الوسط لم تنجح بعد.
من هنا، تؤكد أوساط ان نقل مكان الاحتفال له مدلولات كثيرة بسبب عدم قدرة المستقبل على تأمين الحشد السابق الذي كان يضم الحلفاء من الثنائي الشيعي من جهة وبسبب تفضيل عدم حصول احتفال في اماكن مفتوحة خوفاً من حصول احتكاك مع المتظاهرين في الساحات، خصوصا ان هناك مجموعات تتحضر لإقامة تجمع في 14 شباط مضاد لسعد الحريري على ضريح الرئيس الشهيد.
من جهة أخرى، فان الاحتفال في «بيت الوسط» له رمزيته الحزبية والخاصة، فالتوجه الى بيت الوسط غالبا ما يحصل في الأزمات السياسية الحادة كما حصل عند عودة الحريري من الاحتجاز القسري في السعودية وعند كل الخضات التي يمر بها تيار المستقبل. بدون شك فان حضور النائبة بهية الحريري سيكون طاغيا، فالست بهية عدا عن ارتباطها العاطفي بشقيقها الرئيس رفيق الحريري تحضر في كل أزمات عائلة الحريري وتتصدر المشهد السياسي للمستقبل في الاستحقاقات.
أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط فهو أبرز الحاضرين مع نجله تيمور جنبلاط في المناسبة لتجديد الحلف و«البيعة» السياسية مع «بيت الوسط»، سيحلو لجنبلاط الذي تحرر من عبء الحضور العوني دائما الى جانب سعد الحريري ان يطلق ما يريد من كلام وعلى الأرجح، فان خطاب «بيت الوسط» سيتضمن هجوما قاسيا على العهد ورئيس التيار الوزير السابق جبران باسيل.
وقد بدأ الاشتراكي والمستقبل من فترة جوجلة خطة العمل المستقبلية بينهما لدرس الخطوات وكيفية التعامل مع الحكومة والتصويب على التيار لاضعافه، خصوصا ان الطرفين اصبحا خارج الحكومة التي بقي فيها باسيل ممثلا بطريقة غير مباشرة.
في الحالتين، فان التصعيد من قبل ثنائي الحريري وجنبلاط لن يصل الى حارة حريك ولا الى عين التنية وسيكون وفق مصادر سياسية محصورا بالهجوم على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر لطرح المقايضة بين ما يحضره التيار من ملفات للمستقبل بملفات الكهرباء للتصويب عليه. وقد باشر عمليا المستقبل الهجوم من مجلس النواب بكلام النائب محمد الحجار.
والثنائي جنبلاط والحريري يحرص على تحييد العلاقة مع حزب الله والرئيس بري عن التجاذبات وردات الفعل العنيفة ضد فريق التيار الوطني الحر. الخطاب من «بيت الوسط» سيتضمن كل ما يلزم لشد العصب السني والمستقبلي لمواجهة الاستحقاقات المقبلة.