لم يعد اللقاء الثاني بين رئيس “تيار المردة” وزعيم “تيار المستقبل” محل تساؤل أو تشكيك، بعدما تأكد حصوله، وإن خارج الإعلان الرسمي. ولكن ما يثير التساؤل اليوم هو ما حصل مجدداً بين الرجلين، وهل لا يزال يصلح وصف لقائهما الثاني بالتشاوري فقط، كما تردد، أو أن اللقاء ذهب أبعد في إطار التحضيرات بينهما في شأن الاستحقاق الرئاسي ضمن سلة التفاهمات المتكاملة حول الشأن الحكومي والمسلمات السياسية والوطنية التي ستقوم عليها السلطة، بعدما بات واضحاً ان المفاوضات الجارية ترمي الى التفاهم المسبق على الثوابت التي ستحكم العهد الرئاسي المقبل.
لا يبدو لزائر باريس أن الأجواء في العاصمة الفرنسية مماثلة للأجواء اللبنانية. ففي حين وضع رئيس مجلس النواب الطرح الرئاسي المتعلق بترشيح النائب سليمان فرنجيه في الثلاجة بعدما تبدلت الظروف والمعطيات التي كانت تدفع بهذا الطرح، وفق ما قال أمام زواره أخيرا، فإن المطلعين على أجواء المحادثات، على قلتهم، يعكسون مناخا إيجابيا حول مضي الأمور بين الرجلين بشكل طبيعي، وإن يكن هناك تسليم بأن الاستحقاق لن ينجز غداً. وعليه، فإن الثلاجة التي تحدث عنها بري ليست في الواقع نعياً للطرح كما تراءى للبعض التفسير، وإنما تجميد له وحفظ له من الكساد حتى يتم إنزاله من الثلاجة وإعادة استعماله عندما يصبح الوقت ملائما.
ويدرك كل من الحريري وفرنجيه أن هذا الوقت لم يحن بعد، وأن فترة الانتظار قد تطول، لكنها لن تغير في المعطى الذي قام على أساسه التفاهم بين الرجلين بما ومن يمثلان، رغم التعقيدات التي تدلل على ان دون وصول كل من فرنجيه الى قصر بعبدا أو الحريري إلى السرايا الحكومية عقبات لم تذلل بعد.
وأبرز هذه العقبات بحسب قراءة مصادر سياسية بارزة، لا يقف عند عقدتي الزعيمين المسيحيين الابرز ميشال عون وسمير جعجع كما يظهر من مسار الامور، أي عقدة ترشيح “حزب الله” لعون أو عقدة ترشيح جعجع لعون ردا على ترشيح الحريري لفرنجيه، وإنما ثمة مشكلتان لا تزالان تحتاجان إلى مزيد من العمل وإنضاج للظروف، وتكمنان في توقيت “حزب الله” لانتخاب رئيس، وقبوله بتولي الحريري رئاسة الحكومة مع ما يرتبه الأمر من عودته الى لبنان واستعادة زعامته على شارعه وفريقه السياسي الواسع، بعدما كان الحزب أخرج الزعيم السني الاول في لبنان من السلطة عبر إسقاط حكومته وهو على باب البيت الابيض في واشنطن.
صحيح أن الفرملة الرئاسية جاءت من جانب المحور الذي ينتمي إليه فرنجيه أولا، ولكن في اوساط بنشعي و”بيت الوسط” من يعكس اقتناع سيدي القصرين بأن ثمة تفهما لديهما لأسباب التبريد والتأجيل. وهذا ما يجعل الحريري يتريث في إعلان دعمه أو تبنيه للطرح، ليتحول عندئذٍ إلى مبادرة “مستقبلية” يمكن البناء عليها. فتذليل عقبة ترشح عون من أمام فرنجيه هي مسألة وقت لم يحن بعد، كما أن تسليم “حزب الله” بتعذر وصول عون الى بعبدا هو مسألة وقت ايضاً، لا يملك توقيتها إلا الحزب ولا يقرر كشفها إلا هو عندما يرى أن ذلك بات ملائماً.
ولكن ثمة ما يطمئن فرنجيه الى الحزب. فهو خطا أولى خطوات ترشيحه من الضاحية ولم ينزلق إلى لقاء ثان مع الحريري لو لم تكن خطواته نحو باريس ثابتة ومضمونة.
أما توقيت إعلان الحريري لتأييده فلم يعد بعيداً. ولا تستبعد المصادر المطلعة أن تشكل ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط محطتها، خصوصا أن الحريري لطالما اختار المحطات الاساسية والمفصلية ليعلن فيها توجهاته او خريطة طريقه.