بين 14 شباط 2005 و14 شباط 2016، أحد عشر عاماً تفصلنا عن تاريخ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي شكّل زلزالاً في المشهد السياسي اللبناني لا تزال ارتداداته حتى اليوم تهدِّد استقرار لبنان واستمرارية الجمهورية بمعناها السليم، دون أن تُسجِّل أي تقدُّم في الوصول إلى الوطن النهائي الذي حلم به جمهور 14 آذار وقدَّم الغالي لأجله.. بل على العكس، شهدت هذه السنوات تقهقراً غير مسبوق، على مختلف الأصعدة، بدءاً من الإقتصادية والإجتماعية وصولاً إلى تعطيل رسمي متعمَّد لمؤسسات الدولة، وفراغ رئاسي وشلل نيابي وكيديات وزارية يدفع ثمنها المواطن بمصالحه واحتياجاته اليومية. ومَنْ احتفل بالخروج السوري من لبنان بعد 14 شباط، تفاجأ به يعود عبر بوابة اللجوء الواسعة، مع كل ما تحمل من أعباء ومآسٍ ربطت لبنان مرّة جديدة بالمنطقة كرهينة وبالحلّ السوري شرط وضع حدّ للفراغ الرئاسي الطويل والذي باتت آثاره السلبية تنعكس على سائر وظائف الدولة.
لقد تسارعت الأحداث في المنطقة عامة، وسوريا خاصة بشكل غير متوقّع، إلّا أن حدّاً أدنى من المسؤولية والجهوزية لدى الأفرقاء السياسيين لم يكن متوفّراً. بالمقابل، تمسّك كل فريق بأجنداته الخاصة والتزاماته الخارجية، فباتت الأولويات الوطنية في آخر قائمة البرنامج الداخلي.. وبقيت الجمهورية بلا رئيس، ومجلس النواب مُمدِّد لنفسه، وحكومة قائمة على التراضي وسياسة «بالتي هي أحسن»، وتكوّمت النفايات.. العضوية والسياسية حتى صارت عبئاً إضافياً على كاهل الدولة المديونة أصلاً، نتيجة الكيديات المستمرة والفساد المستشري، وغياب أدنى الإرادة لإيجاد حلول سليمة ومستديمة لهذه المشكلة وفرضها كلٌّ على جمهوره! إنه زمن الطائفية المقيت الذي بات يتحكَّم بكل مفاصل الدولة، بدءاً من أصغر وظيفة وصولاً إلى أكبر الملفات المالية، كالموازنة والدين العام والضرائب وحتى النفايات.
ويبقى السؤال: ماذا بقي من حُلُم الشهيد الحريري لبناء وطن نهائي لأبنائه، لتطوير الطاقات البشرية والإستثمارات لتنهض بالإقتصاد والصناعة والتجارة؟ ماذا بقي من محاولات بناء دولة المؤسسات العصرية المُمكننة، وأين وصلت خُطط تطوير البُنى التحتية والمرافق الحيوية؟ أين هو لبنان اليوم على الخارطة العالمية، بعدما كان كياناً قائماً بحدّ ذاته، على الرغم من الهيمنة السورية المفروضة آنذاك؟
لم يبقَ من مرحلة رفيق الحريري الذهبية سوى أحلام مُبعثرة وخيبات مدوّية، أمّا الإحباط الذي عاشه اللبنانيون بعد الإغتيال الزلزال فلا زالت مرارته في قلوبهم أضعافاً مضاعفة في ظل غياب القيادات المسؤولة وفشلها في اتخاذ الحد الأدنى من القرارات المسؤولة التي من شأنها تحييد الوطن عن النيران المحيطة وإنقاذه من السقوط في هاوية الإفلاس الإقتصادي والإجتماعي بعدما بلغ الإفلاس السياسي أوجّه!
إن ذكرى 14 شباط تعود اليوم لتطرح أمام اللبنانيين عموماً وجمهور 14 آذار تحديداً، سبب عجز «الحلفاء» عن الحفاظ على إنجازات الخطوات الأولى نحو الجمهورية الديمقراطية الصحيحة وعجز «الشركاء في الوطن» عن الحفاظ على مفهوم الوطن النهائي لأبنائه؟