IMLebanon

14 شباط محطة على طريق الغزو الفارسي (4)

«أنا أحمد العربي فليأت الحصار جسدي هو الأسوار فليأت الحصار وأنا حدود النار فليأت الحصار وأنا أحاصركم.. وأنا أحاصركم.. وأنا أحاصركم« (من أحمد العربي لمحمود درويش)

                   

في ذلك الوقت أدرك رفيق الحريري استحالة إنقاذ لبنان من دون التفلت من القبضة الأمنية السورية. لم يعد بالإمكان بعد كل المحاولات السابقة الفاشلة مع نظام الاسد، الخروج بتسويات في لبنان لا تقتل الديب ولا تفني الغنم، فقد كان حلم رفيق الحريري الأساسي هو إقناع النظام السوري بأن مصلحته تقتضي بأن يدخل في شراكة مع لبنان بدل استتباعه، لكن ما كان أملاً ضئيلاً في ايام حافظ الاسد الواثق بنفسه، أصبح مستحيلاً مع بشار الاسد الضعيف الشخصية، والحاقد أصلاً على رفيق الحريري الذي لم يعره الإهتمام اثناء وجود والده. 

مع بشار الأسد عادت فرصة استهداف رفيق الحريري لتلوح في الأفق من قبل مشروع ولاية الفقيه، ومع احتلال العراق من قبل الجيش الأميركي، تفاقم رعب بشار من أن يكون دوره آتياً، وأصبح مقتنعاً بأن رفيق الحريري جزءٌ من مؤامرة دولية عليه. 

تسارعت الأمور عشية نهاية ولاية إميل لحود، وباءت بالفشل كل محاولات ثني بشار عن فرض التمديد، وصدر القرار الأممي الشهير الذي دان التدخل الخطير للنظام السوري في المسار الديموقراطي في لبنان مطالباً بانسحاب قواته ونزع السلاح غير الشرعي بكافة أشكاله. 

هنا وضع رفيق الحريري على رأس قائمة الإتهام من قبل نظام بشار الأسد و«حزب الله« معاً، على أساس فرضية أن صداقات الحريري الدولية، وبالأخص مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك ساهمت في إصدار هذا القرار. 

في تلك اللحظة بدأ التحضير العملي لعملية الإغتيال حسب المعطيات التي ظهرت في المحكمة الدولية، وبدأ نشاط شبكة الإتصالات الشهيرة التي أسست لاتهام خمسة من كوادر «حزب الله«، حتى الآن، بتنفيذ العملية. 

كل ما حصل بعدها حسب قناعتي أصبح تفصيلاً، فلقاءات الحريري المكوكية الودية مع حسن نصر الله لم تكن مجدية في إقناع الأخير بحسن نوايا ضيفه، كما أن انتقال رفيق الحريري إلى صفوف المعارضة والسعي إلى بناء تحالفات مع رافضي الوجود السوري في لبنان زادت في حنق بشار الأسد، لكن قرار الإعدام كان قد سبق كل ذلك. 

سأتجاوز هنا حملات الشتائم التي أطلقها توافه أتباع نظام الاسد في لبنان عشية اغتياله، فهي بالتأكيد لا تعني أن من أطلقها يومها كان متورطاً بالجريمة، فلا احد يعطي الدليل على جريمته قبل القيام بها، حملة الشتائم تلك كانت مجرد تعبير أحمق عن حقد بشار تجاه الحريري. 

الخطر الحقيقي كان من صمت القبور الذي خيم على جماعة «حزب الله«، باعتبار أنهم أكثر «وقاراً» من حلفائهم الشتامين. 

اغتيل رفيق الحريري، وكان رد الفعل الشعبي المنطقي المبني على تجارب سنوات الإحتلال السوري هو أن بشار الأسد هو من أصدر الأمر، وأن المنظومة الأمنية التابعة له هي من نفذت. 

على الرغم من شكوك عابرة حول عدم إمكانية حصول عملية ضخمة ومعقدة كعملية الرابع عشر من شباط من دون علم أمن «حزب الله«، تجاوزت عائلة الرئيس الحريري والقوى التي ساندتها هذه الفرضية، وقررت الذهاب إلى تسويات داخلية كان عنوانها التحالف الرباعي، أملاً في إقناع «حزب الله« بفك تحالفه مع نظام الأسد القاتل. 

أظن أن تلك اللحظة كانت يوم السعد لـ»حزب الله«، والأسعد كان يوم خروج القوات السورية عندما تخلص ذاك الحزب من شريكه المضارب، وأصبحت الفرصة متاحة للتمدد أمنياً وسياسياً على كل مساحة لبنان تحت شعار المقاومة حيناً، وتحت غفلة قوى الرابع عشر من آذار أحياناً. 

عندما تحدث ملك الأردن عبد الله الثاني بعيد دخول الولايات المتحدة إلى العراق عن هلال شيعي، ظن الكثيرون أنه مجرد تصوّر مضخم لأمر لا يمكن أن يحدث. 

لكن الوقائع التي تتابعت بعد ذلك دفعت قيادة مشروع ولاية الفقيه إلى رفع رايات النصر وإعلان الهلال الشيعي، وكانت الإشارة واضحة عندما أسقط «حزب الله« حكومة سعد الحريري معلناً أن أي حكومة ستأتي في لبنان ستكون حتماً تحت عباءة حسن نصر الله وبالتالي ولاية الفقيه. 

لم يعد هذا المشروع بعدها محتاجاً لممارسة التقية، فقد صرح المقيمون عليه مراراً بأنهم سيطروا على أربع عواصم عربية بعد أن دفعتهم البهجة إلى التمدد نحو اليمن وكسر كل الخطوط الحمر وتحدي كل المنظومات القائمة. 

بعد إحدى عشرة سنة على اغتيال رفيق الحريري تكشفت شيئاً فشيئاً أسباب اغتياله، لم يكن اغتياله مسألة معزولة بل كان محطة اساسية على طريق غزوة الولي الفقيه للدول العربية، الغزو الفارسي المتلبس عباءة التشيع. 

رفيق الحريري سقط شهيدا في مواجهة الغزو الفارسي. 

()عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»