Site icon IMLebanon

إلّا الحرب بين «الجيشين»… و22 شباط ليس «نهايــة التاريخ»

 

أياً تكن النتائج التي عاد بها نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية دايفيد ساترفيلد من تل أبيب، فإنّ الثابت أنّه لم يصل إلى ما أراده لمنعِ المواجهة المحتملة بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، كما لم يصل إلى ترسيمٍ نهائي للحدود البحرية، ولن يوقف بناءَ الجدار ولا تسوية الخلاف على النقاط الـ13 المتحفّظ عليها. وإنْ عاد الوفدان العسكريّان اللبناني والإسرائيلي إلى الناقورة اليوم، فلن يكون اللقاء نهاية التاريخ.

بهذه المعادلة البسيطة التي لا تحمل تعقيدات كثيرة، رسَم ديبلوماسي عتيق صورةً للمشهد الذي يعيشه لبنان، بوجوهه السياسيّة والديبلوماسيّة والعسكريّة، عندما يتّصل الأمر بجديد الاعتداءات الإسرائيلية البرّية والادّعاءات البحريّة طمعاً بأراضٍ لبنانية وبمنطقة بحريّة هي حقّ من حقوق لبنان بكلّ المقاييس والمعاهدات الدولية وصولاً إلى قوانين البحار.

فمنذ بدءِ إسرائيل بناءَ الجدار الإسمنتي وبروزِ الملاحظات اللبنانية على ضرورة عدم الاقتراب من النقاط الثلاثة عشرة المتحفّظ عليها، ارتفعَ منسوب التوتّر في الجنوب واستُدرجت الإدارة الأميركية إلى القيام بمبادرة سريعة لتجنّبِ أيِّ تطوّرات عسكرية مأسوية. والسبب يعود إلى ما تراكمَ مِن اعتداءات إسرائيلية في مراحل عدّة طرِحت خلالها عملية ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.

فمنذ أن رسِم خطّ الهدنة بين البلدين عام 1949 متجاهلاً الحدود الدولية القائمة بين لبنان وفلسطين، وصولاً إلى الانسحاب الإسرائيلي (25 أيار 2000)، وإلى المرحلة التي تلت حرب تمّوز 2006 وصدور القرار 1701 (12 آب 2006)، سوّيَت بعض الخلافات وبقيَت نقاط عدّة تحفَّظ عليها الجانب اللبناني. وقد تمّ ذلك في مراحل عدة قياساً على عدد المحاولات الإسرائيلية لوضع اليدِ على أراضٍ لبنانية في هذه النقطة أو تلك ولو بأمتار قليلة.

وما لفتَ الجانبَ اللبناني أنّ هذه المخالفات الإسرائيلية ظهَرت كلّها في نقاط استراتيجية على طول الحدود اللبنانية – الجنوبية، وحتى البحر، وكلّ ذلك بغية تعزيز السيطرة الإسرائيلية عليها والسعي الى الاحتفاظ بالقدرة على مراقبة أيّ تحرّكٍ غير طبيعي، ولتبقى المبادرة بالخطوة الأولى في يدها، في أيّ عملٍ عسكري يمكن أن تشهده المناطق الحدودية، خصوصاً حيث لا تتوافر القدرة على ذلك من تلالٍ تقع ضِمن الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وهو ما أدّى في النتيجة الى تكوّنِ الملاحظات اللبنانية في النقاط الـ 13 التي ما زالت اسرائيل تحتفظ فيها بأراض لبنانية تُقدَّر مساحتها بنحو 482 ألف متر مربّع.

وكما في البر، كذلك بحراً، فقد تكرَّرت محاولات الترسيم للمياه الإقليمية لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بأطرافها الثلاثية لجهة سوريا شمالاً وقبرص غرباً وإسرائيل جنوباً. ورغم إصرار الخبراء اللبنانيّين على اعتماد الترسيم وفقَ الأصول العلمية، وما تقول به قوانين البحار وتلك التي تُحدّد عمقَ المياه الإقليمية للدول، فقد برَزت مشاكل عدة حالت حتى اليوم دون الترسيم النهائي مع سوريا، وكذلك مع قبرص، الى أن بوشِرت الخطوات الجدّية الأولى مع القبارصة بعدما تنامى الحديث عن الثروات الغازية والنفطية في شرق المتوسط.

كان ذلك مؤشّراً إلى بدء المفاوضات الجدّية بين بيروت ونيقوسيا في خطواتها الأولى، فأعطى لبنان الأولوية الى الجهة القبرصية وعُقدت أولى التفاهمات عام 2007 قبل أن تتجدّد المفاوضات عام 2010، حيث تمّ التفاهم على الحدّ الأدنى والأقصى الذي يمكن التفاهم بشأنه على أن تتمّ العملية النهائية في ضوء المفاوضات القبرصية – الإسرائيلية التي كانت الاستعدادات قد انطلقت بشأنها.

فتوافقَ الطرفان على الحدود بينهما بعدما تجاهلت نيقوسيا التفاهمَ الأوّلي مع لبنان، ورسَمَت حدودها عند مثلّث الحدود القبرصية – اللبنانية – الإسرائيلية بالحدّ الأدنى من الحقوق اللبنانية ومن دون أن تُبلغ لبنان بنتائج ما تمّ التوصّل إليه مع تل أبيب، قبل التوقيعِ النهائي للاتّفاق متجاوزةً التفاهمَ السابق، وهو ما أدّى إلى بداية الادّعاءات الإسرائيلية بملكية المنطقة المتحفّظ عليها، والتي عُرفت لاحقاً بمنطقة الـ865 كيلومتراً مربّعاً التي تخضع للمفاوضات والطروحات الأميركية المرفوضة لبنانياً.

على هذه الأسُس، بدأ الوسيط الأميركي مهمّته بحراً بعدما تعثّرَ الحصول على تفاهمٍ سوري – لبناني بشأن مثلّث مزارع شبعا والغجَر للتسوية البرّية النهائية. فانصرَف الجميع الى البحر وحضَر الوسيط الأميركي الأوّل فريديريك هوف عام 2013 وأمضى عامين في العمل مع الضبّاط والخبراء اللبنانيين قبل أن يُنهي خدماته بالاستقالة بضغط إسرائيلي، وذلك قبل أن يصل إلى اتّفاق نهائي لمجرّد أنّه تحدَّث عن الحقوق اللبنانية بالمنطقة المختلف حولها، ورغم التسوية التي اقترَحها بمنح لبنان 65% منها وترك 35% منها لإسرائيل، والتي لم تُرضِ الجانب اللبناني.

وجاء خلفه أموس هوكشتاين عام 2016 ولم يصل الى نتيجة ايضاً بسبب إصراره على تبنّي وجهة نظر إسرائيل، متجاوزاً نتائجَ مهمّةِ سَلفِه هوف، ولم يختَر ممّا توصّلَ إليه سوى السعي إلى إحياء ما بات يُعرَف بـ«خط هوف».

أمّا ساترفيلد فقد عاد منذ أسبوعين إلى لبنان لإحياء المفاوضات من دون أن يُحرز أيَّ تقدّمٍ حتى اليوم، رغم زياراته المكّوكية بين بيروت وتل أبيب.
وبناءً على ما تقدَّم، يبدو واضحاً للجميع، خصوصاً المعنيّين بالملف، أنّ كلّ المساعي الأميركية والدولية لا يمكن أن تنتهي قريباً إلى أيّ حلّ.

لذلك فهُم يُجمِعون على القول إنّه وطالما إنّ لبنان لن يتراجع عن مواقفه الضامنة لكلّ شِبر من الأرض وكلِّ نقطة من المياه والنفط، فإنّ المهمّة الأميركية صعبة ودقيقة، في ظِلّ الرفض الإسرائيلي باحترام الحدود اللبنانية كما تمَّ ترسيمها دولياً.

لكنّ ما ظهَر من إصرار لدى ساترفيلد يؤكّد أنّه يسعى في الدرجة الأولى إلى حماية أمنِ المنطقة الحدودية ومنعِ أيّ صِدام بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، خصوصاً أنّ لبنان سيَمنع أيّ اعتداءٍ على أرضه بالقوّة كما قال قرار المجلس الأعلى للدفاع، وما قالت به التوجيهات إلى قيادة الجيش.

لذلك فإنّ الموعد المقرّر اليوم للّجنة العسكرية الثلاثية اللبنانية – الإسرائيلية – الدولية، وأياً تكن النتائج المتواضعة المتوقّعة منها فإنّ 22 شباط الجاري لن يكون آخِر يوم في التاريخ وسيكون للبحث صِلة.