لسنا نعيش فعلاً أجواء شباط العام 1984 بالرّغم من تهديد اللبنانيّين بـ»6 شباط» سياسي وغير سياسي، بالطبع هذه التهديدات سيكون من الصعب جدّاً جدّاً تطبيقها اليوم، وإن بدا من المستغرب بالأمس عودة تسمية «ألوية الصّدر» لتتصدّر العناوين والتهديدات المقلقة، بالكاد تجد في الأجيال التي ولدت في التسعينات من يعرف هذه التسمية أو سمع بها، إلا أنّ الجيل الذي عايش الحرب اللبنانيّة، يتذكر جيّداً أنّ هذا الاسم رافق في 17 حزيران 1986 عملية اختطاف طائرة TWA.
الحديث المموج عن تهديد اللبنانيّين بـ6 شباط سياسي وغير سياسي، مجرّد سخافة قد تقود إلى تأزّم أمني سيصيب تحديداً صورة رئيس المجلس النيابي نبيه بري باهتزازٍ شديد، وسيخرجه من موقعه كمحنّك سياسي برلماني وشريك أساسي وكبير في العمليّة السياسيّة ليعيده أكثر من أربعة وثلاثين عاماً إلى الوراء كرئيس ميليشيا صاحبة سمعة شديدة السوء في ممارساتها خلال الحرب الأهلية ما بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، بكلّ الفظاعات التي ارتكبتها هذه الميليشيا بعد 6 شباط العام 1984، وأغلب ظنّنا أنّ «دولته» في غنىً عن هذه الهالات السود التي قد تحيط بصورته، ومشهد «ميرنا الشالوحي» كافٍ للاعتبار.
من غير المقبول أن يجري تهديد الدولة اللبنانيّة والرئاسة الأولى بمنطق «ميليشياوي» من العام 1984، وللمناسبة، نقول هنا للمهدّدين بـ6 شباط سياسي أو غير سياسي أنّ «زمان الأوّل تحوّل»، ونريد أن نذكّر أن الذين يدّعون أنّ 6 شباط العام 1984 لم يصنع أي مقاومة لا في لبنان ولا ساهم في تحرير الجنوب أيضاً، ليس هناك اليوم «اتفاق 17 أيار» يتّخذ «شمّاعة» لإعلان الانقلاب على الدّولة، والذي ذكّر به بشّار الأسد ودعا للاستعداد لإسقاطه عندما أعلن في آذار العام 2005 وهو يعلن انسحاب جيش احتلاله المذلّ من لبنان رضوخاً للقرار 1559، ونريد أن نذكّر أيضاً أنّه لا «لواء شيعي سادس» اليوم في الجيش اللبناني لديه استعداد للانشقاق عن الجيش اللبناني، إلا إذا كانت حركة أمل وقيادتها راغبة في أن تكون من ضمن التصنيفات الأميركية عن الإرهاب، أو على لائحة واحدة في العقوبات على حزب الله!
6 شباط العام 1984 تلاه «تصفية» ممنهجة للطائفة السُنيّة تولّتها حركة أمل ونفّذتها كعقاب شديد من الاحتلال السوري لهذه الطائفة لسيرها بالشيخ بشير الجميّل رئيساً للجمهورية، أوّل هذه التصفيات كان في نيسان 1985 بعد اشتباكات دامية بين قوات المرابطون وميليشيا حركة أمل مع ملاحظة أنّ كثير من المنتمين إلى «المرابطون» يومها من أبناء الطائفة الشيعية وتمّ قتلهم بدم بارد في شوارع بيروت، وتركوا ينزفون حتى الموت، وكثيرون الذين لا يزالون يذكرون صراخهم مستنجدين بالقول: «نحن شيعة»!
من مفاعيل 6 شباط العام 1984 مجازر حرب المخيمات الفلسطينيّة التي تولّتها حركة أمل أيضاً لتصفية من تبقّى من فلسطينيي حركة فتح بإيعاز من نظام الاحتلال السوري بعدما نجح في شقّ حركة فتح لتولد «فتح الأداة السوريّة» على يد «أبو موسى»، فاندلعت هذه الحرب في 19 أيار 1985 واستمرّت تحت حصار شديد أُفتيَ فيه حينها لسكان المخيمات بأكل الكلاب والقطط، وقاد 6 شباط إلى حرب الإخوة بين حركة أمل وحزب الله، ودُمّرت فيها الضاحية الجنوبيّة وقرى الجنوب اللبناني، وتوّج 6 شباط مفاعيله «السياسيّة وغير السياسيّة» يومها بإحراق بيروت أواخر شباط العام 1987 بين الحليفيْن اللدوديْن حركة أمل والحزب التقدّمي الإشتراكي وبعد سبعة أيام أحرقَ فيها الفريقان بيروت وبيوتها وشوارعها، نجح 6 شباط 1984 بإعادة الإحتلال السوري إلى قلب بيروت.
خطأ كبير، أن يتمّ التهديد بـ6 شباط، أساساً ظروف 6 شباط العام 1984 غير متوافرة اليوم نهائيّاً، وهذه التهديدات لا تفيد أبداً في هذه المرحلة، بل على العكس هي تسيء لصورة مطلقيها والمهدّدين بها، وتستعيد من الذاكرة إحدى أبشع صورهم في ثمانينات القرن الماضي وأخطر أدوارهم في تدمير ما تبقّى من صورة الدولة والجيش اللبناني، فليسمحوا لنا، زمان الأوّل.. تحوّل، وهذا النوع من التهديد سيكلّف رافعي شعاره أثماناً عربيّة ودوليّة هم بغنىً شديد عنها!