IMLebanon

فدرالية الطوائف على أنقاض «الطائف»

لم يتغيّر المشهد كثيراً بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، النزاع على تأليف الحكومة يشبه الى حدّ بعيد ما كان يجري منذ بدايات «اتفاق الدوحة».

يومها تمّ التسليم بـ«الثلث المعطل»، وبما يُسمى «الميثاقية» في تأليف الحكومة، وهي بدعة أصبحت عرفاً لا يمكن الخروج منه، فأصبح المجلس النيابي بمعظمه ممثلاً في الحكومة، وانتفى معنى إجراء الانتخابات النيابية التي لن تكون وظيفتها إلّا إنتاج برلمان لا يفرز أكثرية وأقلّية، ولا يقرّر مصير الحكومة، إذ لا معنى لمنح الثقة، ولا لحجبها، ولا لتسمية رئيس الحكومة، في الاستشارات، ولا طبعاً مجرد التفكير في حجب الثقة عن الحكومة.

وكما كان دستور الجمهورية الأولى بصلاحياته الرئاسية مجرد توزيع لصلاحيات فضفاضة، لم تستعمل يوماً، فإنّ دستور «الطائف» الذي لم يطبق منذ العام 1990 الى اليوم، إلّا في مرحلة ما بعد العام 2005، أي في حكومات الرئيس فؤاد السنيورة، التي أُسقطت في السابع من أيار،

فإنّ هذا الاتفاق بات اليوم مشلولاً، بقوة فيدرالية الطوائف التي فرضت نفسها، تحت غطاء «حزب الله»، الذي قوّض منذ العام 2005 فرصة تطبيق «إتفاق الطائف»، ونجح في اجتذاب جزء من المسيحيين حيث تحالف معهم وعطل النظام، وما لبث هذا التحالف أن أنتج بعد ثماني سنوات من السابع من أيار، ومن توقيع اتفاق الدوحة، فيدرالية طوائف متكاملة، لا تُعرف الى الآن طبيعة توازناتها.

لم يكن انتخاب عون رئيساً، انتصاراً لشخص أو لحزب أو لتحالف أحزاب، بل كان انتصاراً لفكرة فيدرالية الطوائف، ومشاركتها الجماعية في اقتسام النفوذ داخل تركيبة الحكم، لكن مع استثناء كلّ ما يتعلّق بالقضايا السيادية للدولة التي لزمت الى «حزب الله» حصراً، ولم يكن الاستعراض العسكري العلني في القصير سوى نتيجة طبيعية لهذا التلزيم، حيث أراد الحزب حسم الجدل مبكراً حول هويّة المنتصر، كذلك أراد قطع الطريق على مَن أراد أن يتوهّم بأنه يمتلك ورقة العهد المقبل.

من نتيجة حكم فيدرالية الطوائف، أنّ صوتاً واحداً لم يسجّل استنكاراً لهذا الاستعراض العسكري، سواءٌ من حلفاء الحزب وهذا أمر طبيعي، أو من خصومه، وهذا يعكس طبيعة اختصاصات هذه الفيدرالية، المنحصرة بالنزاع على توسيع الأحجام داخل السلطة، وهو النزاع الملتزم بضوابط وخرائط طرق وضعها حزب الله، ولن يكون في الإمكان تخطّيها هي الأخرى، ومن هنا يمكن فهم وضع «الفيتو» على «القوات اللبنانية» منعاً لنيلها وزارة سيادية، هذا على رغم أنّ وزارة كهذه لن يمكنها أن تغيّر شيئاً في المعادلة المقفلة، التي دخل فيها المراهنون على صفقة متوازنة تصلح لمرحلة انتقالية.

ما يجري اليوم قبل ولادة الحكومة، وما سيجري في النزاع المقبل على قانون الانتخاب، سيكون من ضمن اختصاصات ائتلاف الطوائف الذي سيتسلّم الحكم لفترة ربما تكون طويلة. فهذا الائتلاف مرشح لأن يجدّد لنفسه في أيّ انتخابات مقبلة، وعلى الأرجح ستجري الانتخابات على أساس القانون الأمثل لضمان التجديد أي قانون الستين، وسواءٌ أسفرت الانتخابات عن تغيير هنا أو هناك، فإنّ هيكلية المجلس الجديد لن تختلف عن المجلس الحالي، وسيكون تأليف الحكومات المقبلة على المنوال نفسه، وسيجدّد النادي السياسي المقفل لنفسه، بعد تجديد التعاقد على توزيع الاختصاصات السيادية والداخلية، واقتسام الأحجام، وسط غياب شبه كلّي للمعارضة إلّا التي قرّرت انتهاجها قلة قليلة، أو التي تعدّ لها نخب من مجتمع مدني لا زالت ترسم صورة متخيّلة عن سلطة بديلة، مستلهمة دروس أخطاء ارتكبت في الحراك السابق، أدّت الى شرعنة الموجود ومهّدت لتأبيده.