IMLebanon

سقوط الفيدرالية وبديل «سايكس ـ بيكو»

سوريا، عقدة القطع والوصل، للاتفاقات والخلافات في المنطقة. في قلب كل حلف اتفاق وخلاف حول سوريا ومستقبلها. إيران متحالفة مع روسيا في دعم بشار الأسد. السوخوي الروسية تدعم «الحرس الثوري» وكل الميليشيات الشيعية التي تقاتل تحت إمرته بدءاً من «حزب الله« وانتهاء «بالزينبيين» الباكستانيين. تركيا تقف على الضفة الأخرى من روسيا وإيران في سوريا. أنقرة لم تغير موقفها ورأيها بضرورة سقوط الرئيس بشار الأسد. الحرب مفتوحة، من دون حسابات للخسائر المادية والبشرية، طالما أن الشعب السوري هو الذي يدفع والآخرين يسجلون الأرباح في خاناتهم.

من الطبيعي القول إن الخلاف الإيراني التركي، في جبهة مفتوحة على كل التدخلات والمتغيرات مثل الجبهة السورية، يضع الدولتين على حافة الخطر. في الواقع، العلاقات التركية الإيرانية في أحسن أوضاعها. الاقتصاد في قلب نهوض هذا الحلف وديمومته. لا يبدو أحد في أنقرة وطهران مستعداً لتخريب العلاقات مهما كان الدافع كبيراً. الخلافات التركية الإيرانية حول بشار الأسد والمعارضة، لا تحول دون ولادة اتفاق استراتيجي خارج من قلب الحروب في سوريا وعلى مستقبل سوريا.

أسقطت موسكو كل التحفظات والخلافات التركية الإيرانية من مستقبل سوريا. تلويح موسكو بالحل الفيدرالي لسوريا، وحّد الموقفين التركي والإيراني. في قلب الحل الفيدرالي، إسقاط اتفاق سايكس بيكو. مسارعة أنقرة وطهران الى رفض إسقاط اتفاق سايكس بيكو عملياً يعود الى أن العاصمتين ستدفعان الثمن من وحدتهما مستقبلاً. ما أخاف العاصمتين أكثر أن واشنطن دعمت ضمناً الاقتراح الروسي. مجرد الكلام عن كيان كردي في سوريا تحت أي صورة من الصور، يعني مباشرة التلويح بتقسيم تركيا عاجلاً وإيران آجلاً. اللعب «بالنار» الكردية في منطقة مليئة بالألغام، يشكل خطراً وجوديًّا وليس فقط استراتيجياً.

داود أوغلو رئيس الوزراء التركي سارع إلى زيارة طهران، ولقاء الرئيس حسن روحاني الذي بادله ودّاً بودّ. في قلب المحادثات الاقتصادية كانت سوريا هي الحاضر الأكبر. بوضوح كامل ردّ أوغلو على الاقتراح الروسي بقوله: «الحفاظ على وحدة الأراضي السورية التزامنا… نحن نرفض مشاريع تقسيم البلاد الى دويلات». من الواضح حجم القلق التركي من الاقتراح الروسي. أضاف أوغلو في تأكيده الاتفاق مع الرئيس حسن روحاني رغم كل الخلافات «ان اختلاف وجهات النظر بيننا، لا يستطيع تغيير تاريخنا وجغرافيتنا». لا كلام أوضح من هذا في مواجهة موسكو.

النتيجة ذاتها بالنسبة لإيران، رغم تأكيد العلاقة المتينة مع موسكو. قال الرئيس روحاني «إن إيران مع وحدة الأراضي السورية وسيادتها على كامل أراضيها..»، وبعد أن طلب روحاني من الصحافيين «عدم إيجاد مشاكل مع جارتنا روسيا» بسبب الكلام الروسي عن الفيدرالية، شدد على ان «التناغم والتنسيق لا يعنيان أن إيران توافق على كسر السيادة الوطنية ووحدة التراب السوري».

هذه الوحدة التركية الإيرانية من مستقبل سوريا، أجهضت كل الكلام والأفكار حول إسقاط اتفاق سايكس بيكو وصوغ اتفاق جديد في المنطقة. موسكو عرفت من خلال وحدة الموقف الإيراني التركي، أن عليها مواجهة العاصفة وحدها لأن واشنطن لن تدخل في أي عملية تدفعها لوضع يديها في «النار» السورية وامتداداً الى تركيا وإيران. أوفدت موسكو فوراً ميخائيل بوغدانوف الى طهران، للتباحث مع أمير عبد اللهيان. ستجد موسكو الحل الدبلوماسي لسحب هذا الاقتراح من التداول. النتيجة المعلنة أن اتفاق سايكس بيكو قد سقط فوراً. قد تجري محاولات لإحيائه مستقبلاً لكن الفشل مضمون طالما أن أي اتفاق ترجمته تقسيم تركيا وإيران ضمناً.

في قلب هذا الاعلان قبل انعقاد مؤتمر جنيف حول سوريا في 14 آذار، سقوط مشروع آخر سواء كان روسياً أسدياً أو حتى إيرانياً حزب الله أسدياً، وهو قيام وتثبيت مشروع «سوريا المفيدة«. لا يمكن الالتزام «بوحدة التراب السوري والسيادة الوطنية السورية»، والعمل لقيام «سوريا المفيدة«، ولو باسم الحرب ضد «داعش». ربما تريد طهران وموسكو، قيام «سوريا المفيدة« الممتدة من اللاذقية الى دمشق مروراً بحماة وحمص والقصير ومحاصرة «داعش» في الباقي من سوريا وتحويل الحرب «حرباً دولية مشتركة» مع الأسد ضد «داعش». لكن حتى هذا المشروع لن ينجح لأن مستقبل الأسد معلق على السؤال: متى يرحل وليس هل يرحل؟

وحدة سوريا وسيادتها الكاملة على اراضيها، تعني أن مستقبل كل الميليشيات التي قاتلت من أجل الأسد المتحالف مع «داعش» في حقل غاز الرقة وغيره، غامض مهما بلغت الضمانات الممنوحة في مفاوضات طويلة ومعقدة مثل المفاوضات حول سوريا. الكلمة ستكون للدول الكبرى وبالشراكة مع المتوسطة.