Site icon IMLebanon

الفيدرالية الرهان الذي لم يمت

 

في العام 1979 قال العماد ميشال عون: صحيح أنا مع الشيخ بشير الجميل ومتمسك بصيغة 1943، ولكن إذا أراد بشير أن يصنع كياناً مسيحياً في لبنان فأنا ضده « كتاب ميشال عون حلم ام وهم لمؤلفه سركيس نعوم ص 29».

 

لكن السؤال المطروح ما الفارق بين صيغة 1943 والفدرالية ؟

 

إن صيغة 1943 منحها الاحتلال الفرنسي للطائفة المارونية قبيل انسحابه عسكرياً من لبنان ما أدى إلى حنق بقية أبناء الطوائف اللبنانية البالغ عددها 16 وانفجار بركان الحرب الأهلية اللبنانية فيما بعد أي عام 1975.

 

أما الفيدرالية السياسية فإن اعتمدت في لبنان فسيصبح لكل منطقة قوانينها الخاصة أو دستورها الخاص.

 

فعلى سبيل المثال لا يعود بإمكان العائدات المالية المجباة في جبل لبنان المساهمة في تشييد مشروع في طرابلس أو في صيدا.

 

إن النائب العوني زياد أسود القائل لحزب الله كيف تستمر بحمل السلاح وشعبك بات جائعاً أتى بالتزامن مع دعوة قياديين بارزين في التيار إلى اعتماد صيغة الفيدرالية في لبنان وأتى أيضاً عقب رؤية التيار استمرار الوضعين الاقتصادي والمعيشي بفعل العقوبات الأميركية المفروضة على الحزب.

 

وبما أنه ومنذ القدم ومصالح الاغتراب الماروني التجارية هي مع دول الغرب وواشنطن بات التيار الوطني الحر على ما يبدو يعاني الأمرّين من الاستمرار في تأييد المحور الروسي الصيني الايراني السوري لأن الأكثرية من المغتربين الموارنة لا تؤيد هذا المحور والتيار يود مراعاة مصالحها كي لا يخسر تأييدها له.

 

إن الدعوة إلى فدرلة لبنان ليست وليدة يومنا هذا، إذ سبق لخلوتيّ سيدة البير وسيدة الجبل أن طالبتا بها في أوائل الحرب الأهلية، كما أنه وفي ثلاثينيات القرن المنصرم طالبت مجموعة الفينيقيين الجدد التي كانت الناطقة السياسية الرسمية باسم موارنة جبل لبنان باعتماد الفيدرالية عندما انبرى ادوار حنين عضو المجموعة بالقول عام 1936 لبنان هو الجبل وشعبه هو الشعب الماروني «كتاب صلات بلا وصل للكاتب والمؤرخ فواز طرابلسي ص 48».

 

ويبدو أن تلك المقولة ما زالت تدغدغ مشاعر العونيين الذين يعتبرون جبل لبنان مركزاً للثقل الماروني.

 

من هنا ندرك بان اتفاقية التيار مع حزب الله ولدت لأن العماد ميشال عون ومنذ سنوات طويلة كانت تراوده أحلام الوصول إلى القصر الجمهوري.

 

يقول ميشال شيحا أقوى محام للدفاع عن المارونية السياسية رغم انتمائه إلى الطائفة الكلدانية بأن الطائفية في لبنان ليست عورة أخلاقية! أو ترسباً من ترسبات التخلف! بل هي حضارية ومن مدرستها تعلم اللبنانيون التسامح!! «الكتاب عينه ص 180 – 181».

 

إن مناداة التيار الوطني الحر بالفيدرالية تعني ضمنياً فقدانه الحماسة أيضاً باستمرار التحالف مع قوى الثامن من آذار المناوئة بشدة للمشروع الفيدرالي، والتيار خير من يعلم بأن روسيا زعيمة محور الممانعة تشكل الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، والسوفييت حاربوا مشروع التقسيم في لبنان بضراوة ابان الحرب الأهلية.

 

وبعد ثلاث سنوات من بدء الحرب في سوريا بدأ التيار الوطني الحر ينادي بحياد لبنان عن صراع المحاور.

 

وأشير إلى أن أحد أكبر منظري الفيدرالية في لبنان أنطوان نجم سبق أن قال بأن حياد لبنان سوف يجعل منه مركزاً مالياً واقتصادياً يحظى بتقدير الجميع.

 

لكن وبتقديري فإن العونيين باتوا يرون بأنه مع الصيغة الفيدرالية سيحصّنون مصالح الاغتراب الماروني الذي يؤيدهم بأغلبيته مع الغرب ومصالحهم أيضاً، وهنا بالاذن من الأستاذ نجم تصبح قصة حب الحياد مجرد كذبة لأن أنصار التيار في الاغتراب منضوون في كنف المحور الامريكي.

 

إن تعاطف التيار الوطني الحر مع الغرب بقي ساري المفعول حتى مع بدأ عهد الرئيس عون بدليل أننا لم نرَ عقوبة أميركية واحدة تفرض ولو على شخصية واحدة هامة من هذا التيار رغم التهديد الأميركي بذلك مراراً وتكراراً.

 

وعندما يسأل الفرد منهم عن أسباب تقصير العهد في واجباته تجاه الوطن و المواطن يكون الجواب دوماً، لكن الرئيس مجرد من صلاحياته.

 

وبناءً على هذا الجواب العاطفي غير العقلاني تظهر النوايا العونية الساعية إلى تعديل اتفاقية الطائف أو نسفها بالكامل.

 

وإذا نظرنا إلى البقعة الممتدة من البترون حتى كفرشيما والمرشحة بأن تكون أرض الحلم العونية التي ستفرق مذهبياً وطائفياً في حال أبصرت الفدرالية النور نجد فيها أغلبية المناطق السياحية الساحلية والجبلية والمنتجعات والمجمعات التجارية الضخمة و المدن الصناعية الكبرى والمدارس الكاثوليكية الشهيرة وكل اختصاصات الجامعة اللبنانية الفروع الثانية وثلاث شركات للكهرباء وشركة المياه في ضبية التي تروي كامل العاصمة بيروت ومرافئ جونيه وجبيل وضبيه ومعظم السفارات ومباني الوزارات ومعظم المراكز العسكرية الرئيسية في لبنان والقصر الجمهوري، ويبقى ما يصبو اليه عشاق الفدرالية تشييد مطار دولي. يقول الوزير جبران باسيل نحن مع العلمانية الشاملة لكن مهلاً معاليك بما أن الأجيال اللبنانية الجيل تلو الجيل ارتشفت الحليب الطائفي منذ سن رضاعتها وتربت تربية بيتية طائفية وغرفت العلم من مدارس طائفية، فعملية الانتقال من الدولة الطائفية مباشرة نحو الدولة العلمانية أي 180 درجة تعتبر من سابع وثامن المستحيلات.

 

لذا تبقى الدولة المدنية وعصبها اقرار المادة 95 من الدستور المعبر الأساسي الالزامي نحو الدولة العلمانية ولو استلزم ذلك ردحاً طويلاً من الزمن.