أن تتحدث عن الفيدرالية فذاك صوت نشاز بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعمالة بالنسبة إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وارض خصبة للصراع الاهلي وانهيار للدولة وانقسام لمؤسساتها بالنسبة إلى “تيار المستقبل”.
هذا الذم بالفيدرالية ومطلقيها ترافق مع كلام للمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان نعى فيه الميثاق والصيغة والطائف، وهو كلام يجب ألا يفاجئ الكثيرين لأن استكمال السيطرة على البلد يجب أن يكرس بغطاء شرعي وليس فقط بقوة الأمر الواقع، وقد تكون المشكلة الوحيدة في هذا الكلام أنه استبق التوقيت الملائم، أو أنه أتى بصيغة أكثر صراحة من الصيغ التي يتحدث بها أصحاب هذا الطرح تحت عنوان إلغاء الطائفية السياسية وجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة وانتخاب برلمان خارج القيد الطائفي لتكون النتيجة قيام “دولة مدنية”، في وقت تتعزز فيه الطائفية والمذهبية في العقول والقلوب والنفوس والممارسات والرغبات.
إن المتابع للتطورات والأحداث في لبنان لا يمكن إلا وأن يقول إن الكلام الذي أدلى به الشيخ قبلان هو كلام صحيح، ولكن كان يتوجب عليه أن يرفقه بالأسباب التي أدت إلى سقوط الصيغة والميثاق والطائف وإلى استشراء الفساد، ولن يعود بعيداً في الزمن لذكر هذه الأسباب ومن يتحمل مسؤولية سقوط الهيكل.
مع انتهاء الحرب وإقرار إصلاحات الطائف مورس الحُكم في لبنان وفق نظام الترويكا الذي تجسد بتعبير “الرؤساء الثلاثة” فسقط مجلس النواب ومجلس الوزراء والقضاء وغيرها من مؤسسات الدولة وفقدت دورها تحت عنوان ما يُعرف بالديموقراطية التوافقية وهي في الحقيقة التسمية الشرعية للمحاصصة وتقاسم المغانم وهدر الأموال.
سقط الهيكل لأن منظومة الفساد على كل الصعد شارك فيها الجميع وبتغطية من وصاية لعبت بهم كأحجار الشطرنج وارتضوا في مقابل جوائز الترضية، كل التجاوزات والارتكابات التي ضربت العيش معاً وكسرت التوازنات الوطنية وبدلت وجه لبنان التعددي.
سقط الهيكل أيضاً لأن قرار الدولة السيادي مصادر، فأضحى أمنها وسيادتها ألعوبتين بين مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين يستخدمون من هم في السلطة وخارجها من أجل تنفيذ مخططاتهم غير عابئين بما رتب ويرتب ذلك على لبنان وأهله وهو أمام أنظارهم يتجه من انهيار إلى آخر.
سقط الهيكل لأن البعض ما زال مصراً على مواصلة سياسة الإستئثار بالدولة ومؤسساتها والاستفادة منها ولو تحولت رماداً، وفرض خياراته على كل شرائح الشعب اللبناني، والإمعان في تكريس حال الإحباط والقهر والتسلط على حقوق الناس تحت عناوين براقة يدرك أصحابها أنها الطريق الأسرع إلى هلاك الوطن.
نعم سقط الهيكل وكانوا يرونه يسقط تباعاً أمام أعينهم، ولكنهم كابروا، وهربوا إلى الأمام وهم يرددون “عليَّ وعلى أعدائي”.