Site icon IMLebanon

د. غاورش في مئوية «سايكس بيكو»: الفدرالية هي الحل لسوريا والعراق

رفع انهيار السلطة المركزية في كلّ من العراق وسوريا، معطوفاً على ازدياد نفوذ القوى غير الحكومية، منسوب التكهنات حول مستقبل بلاد الشام، في ظلّ الحديث عن إمكانية أفول بعض الدول التي تشكّلت بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك بالتزامن مع الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو، التي تمّ التوصل اليها في 19 أيار 1916.

الاتفاقية وُلدت بعد محادثات جرت في القاهرة، ثم انتقلت الى سانت بطرسبرغ في روسيا، وقسّم بموجبها ممثلو لندن وباريس سراً معظم الأراضي العربية، التي كانت تدور في فلك الإمبراطورية العثمانية إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية.

روسيا القيصرية كانت ممثلة حينها بوزير خارجيتها سيرغي سازنوف، لكنّ الثورة البلشفية في العام 1917 أدت الى استبعاد الروس عن كونهم جزءاً من اتفاقية سايكس-بيكو.

في الوقت الراهن، يبدو أنّ الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية قد حلّتا مكان فرنسا وبريطانيا في إعادة تشكيل الإقليم. وفي نظر الخبير في شؤون الشرق الأوسط والتاريخ في جامعة Baylor في الولايات المتحدة الأميركية، الدكتور جورج ف.غاورش، انّ «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيستمر في لعب دوره في الشرق الأوسط، والدفاع عن نفوذه في سوريا بقدر ما يستطيع».

ويقول غاورش الذي عرض تقييمه لاتفاقية سايكس بيكو بعد 100 عام على توقيعها، في محاضرة نظّمتها «Hydropolitics Academy » الخميس الماضي في أنقرة: «بوتين وروسيا لديهما دور لا يمكن إنكاره او تجاهله»، ناصحاً في رده على سؤال لـ«الجمهورية» بضرورة إشراك روسيا وإيران لحل الأزمة السورية على المدى الطويل.

ويضيف: «إنّ بوتين ساعد نظام الاسد على استعادة بعض الأراضي، ومن المحتمل ان يستغلّ توسيع نفوذه في سوريا للدفع في اتجاه ربح مكاسب في أوكرانيا والقرم».

ويشبّه غاورش سلوك بوتين بموقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي صبّ تركيزه على إيران لتحويل الانتباه عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ويقول: «بوتين يستخدم نفوذه ولقد أرسل قواته الى سوريا، وفي امكانه ان يلعب الورقتين وتعزيز موقعه الإستراتيجي».

نكبة فلسطين

ويستعيد غاورش أبرز الاحداث التي شهدها العالم العربي كنتيجة لاتفاقية سايكس بيكو، ويُعيد التذكير بما فعلته بريطانيا من خلال وعد اليهود بوطن قومي في فلسطين وإصدارها وعد بلفور في 1917. ويوضح كيفية تسهيل البريطانيين حرية الهجرة لليهود الى فلسطين، وتمكينهم من وضع أسس دولة وجعلها جاذبة لليهود.

لقد أنشأ اليهود تحت عين بريطانيا ودعمها قوات دفاع وجيشاً تحت الأرض وتمكنوا من وضع البنى التحتية السياسية والاقتصادية لمجتمعهم.

ويُذكّر غاورش بالتطهير الإتني الذي شهدته فلسطين، ومساهمة بريطانيا في رفع نسبة اليهود إلى 80 في المئة مقارنة مع العرب الذين هزموا في حربي 1948 و1967، واحتلّت إسرائيل عقب ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة.

بعد حرب 1967، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيغن، بعد فوزه في انتخابات 1977، بتوسيع بناء المستوطنات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. بعدها، قام رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات بتوقيع اتفاقية أوسلو في العام 1994 مع اسرائيل، وأُعطي بموجبها الفلسطينيون إدارة الحكم الذاتي.

في الماضي القريب، انقسمت الفصائل الفلسطينية بين منظمة التحرير بقيادة «فتح» وحركة «حماس»، وقد حوّلت الأوضاع في سوريا والعراق الأنظار عن القضية الفلسطينية.

لقد سحقت اتفاقية سايكس-بيكو الأمل بدولة عربية. في سوريا، دعمت فرنسا الأقليات ولا سيما العلويين. وقسّمت سوريا إلى دولة سوريا والتي تضمّ حلب وحماه وحمص ودمشق، وإقليم جبل الدروز، وسنجق اللاذقية ولواء إسكندرون. ولكن من الناحية العملية، كانت هذه المناطق منفصلة وتخضع لشكل من الحكم الذاتي الخاص.

في لبنان، دعمت فرنسا المسيحيين الذين هيمنوا على المشهد السياسي، في حين طالب المسلمون بتقاسُم السلطة، ومن ثم ساهم تدفّق الفلسطينيين الى لبنان في اندلاع الحرب الأهلية وانهيار الدولة.

في العراق، ارتكبت الولايات المتحدة خطأ كبيراً في نظر غاورش عندما «غادرت قواتها هذا البلد وتركته في عهدة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ومكّنته من إساءة استخدام السلطة واستغلال الشيعة وإشعال الفتن الطائفية، وهذه لم تكن سياسة حكيمة».

ويستذكر الأستاذ الجامعي الأميركي حقبة صدام حسين وحربه مع إيران وغَزوه الكويت، ومن ثم سقوط نظامه لاحقاً. ويرى أنّ غياب العدالة والثقافة السيئة وارتفاع نسبة البطالة أدّيا إلى الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن ومن ثمّ سوريا.

صعوبة التعامل مع إيران

إلى جانب ذلك، وسّعت إيران نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وترافق ذلك مع زيادة دور «حزب الله» اللبناني. ويرى غاورش أنّه من الصعوبة التعامل مع إيران لأنّ حكم الملالي السائد في الجمهورية الإسلامية عَصيّ على التغيير، على رغم توقيع الإتفاق النووي مع طهران.

ديناميات جديدة

ضمن هذا السياق، ينظر غاورش الى ظهور الدولة الإسلامية، ويقول: «هناك رغبة مضطربة للتحوّل في العالم العربي، والفارق بين زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن وزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، هو أنّ الأخير حاول الوصول الى حكومة لديها إقليم ويحكمها مقاتلون أجانب انضمّوا إليها نتيجة لإحباطهم».

اليوم نشهد في نظر غاورش «ديناميات جديدة في الشرق الأوسط، ومن الصعب ان تبقى حدود سوريا والعراق على حالها». ويخلص غاورش إلى أنّه «يصعُب التنبؤ بمستقبل سوريا»، مُرجّحاً أن يزداد العنف المذهبي فيها، ويدعو الى تطبيق القومية العربية بطريقة مشابهة لما فعلته تركيا في عهد أتاتورك. ويشدد على ضرورة ان يُستخدم الإسلام لمحاربة التطرّف وإظهار أنّ ما تقوم به «داعش» ليس جزءاً من الإسلام.

وإذا أخذنا في الإعتبار الكانتون شبه المستقل الذي أقامه أكراد سوريا على الحدود التركية، وانتشار قوى الأمر الواقع نفسها بقوة السلاح، يمكن الإقرار بأنّ الحل الأفضل للعراق وسوريا هو الفدرالية، حسبما يؤكد غاورش لـ«الجمهورية».

ويختم غاورش حديثه بالتشديد على أنّ المطلوب هو توزيع الثروة في دول الخليج، وزيادة الإستثمارات في البنى التحتية، وتعزيز التغييرات البنيوية في ذهنية قادة دول الشرق الأوسط بشكل عام.