هناك احتمالان لأسباب طرح “الفيديرالية”. أولهما مجرّد غباء حتّمته النعرة العصبية المفرطة، ولعله مستبعد. والآخر هو أن الفدرلة غزت النفوس والرؤوس لأن الانتفاخ الذاتي لكلٍّ من فريقي “التيار العوني” و”حزب الله” بلغ حدّاً مَرَضياً يصعب ضبطه في اطار البلد، أو “الوطن” اذا جاز التعبير. ففي الخلفية، ويجب ألا ننسى، هناك الصراع في سوريا وما بات يطرحه من مخاطر تقطيع للخريطة وتقسيم للمناطق، كمآلٍ أو كأمرٍ واقع سعت اليه ايران ونظام بشار الاسد، لأن ما تسمّى “مصالحهما” لم يعد تحقيقها ممكناً في سوريا واحدة أو موحّدة. ولا شك في أن أتباعهما من “تيار” و”حزب” يجرون حساباتهم المستقبلية وفقاً لهذا التوجّه، فطهران كلّفت “حزب الله” ترسيم حدود “دولة الساحل” وتأمين الطرف الذي لا يزال مخترقاً في القلمون – الزبداني.
كان نظام الوصاية السوري قد فدرل كل لبنان واعتبره احدى محافظاته أو اقليماً ملحقاً بها. وما لبثت ايران أن أجازت لـ “حزب الله” فدرلة مناطقه معوّلاً على تمويلها ومستفيداً (مع شيء من البلطجة والتشبيح) من مكاسب توفّرها الدولة. لذلك اعتبر العماد ميشال عون أن أقلّ ما يقبل به لقاء تحالفه مع “حزب الله” (ومن خلاله مع النظامين السوري والايراني) هو أن يحقق طموحه الرئاسي الذي أضفى عليه اسم “حقوق المسيحيين” ليبرر انتزاعها، لنفسه لا للمسيحيين، ولو بقوة التهديد بـ”إسقاط نظام الطائف” أو بـ”الفيديرالية” أو بالنزول الى الشارع من قبيل البلطجة والتشبيح أيضاً. واذا كان التظاهر الاحتجاجي حق لا جدال فيه فإن أبسط شرط لاحترام عقول المسيحيين (ماذا عن اللبنانيين؟) أن يقول الجنرال بصريح العبارة علامَ يحتج وعلى مَن يريد أن يضغط. فهو موجود في الحكومة وعلى خلاف معها ولا يستطيع ارغامها على تلبية “حقوقه”. أم أن الجنرال يريد القول إن ايران والاسد معه وما على السعودية واميركا والمجتمع الدولي سوى الرضوخ لرغباته.
عندما سعى صهر الجنرال، في كلمة في افطار رمضاني، الى ايضاح عدم واقعية الطرح الفيديرالي، هل كان يقول إن عمّه ارتكب هفوة وجبت “ضبضبتها” أم أنه حاول هو الآخر تحصين طموحاته المستقبلية؟ لكن ماذا عن اعتراف جبران باسيل بأنه تقصّد افتعال الإشكال مع رئيس الحكومة بهدف نسف جلسة مجلس الوزراء، وماذا عن قول باسيل إنه “يمثل رئيس الجمهورية” الذي لم ينتخب بعد بسبب ممانعة “التيار العوني” وحلفائه. في الحالين كان ذلك الطرح خطأ في حق الدولة التي يريد الجنرال أن يكون رئيسها، فضلاً عن أنه خطيئة في حق المسيحيين خصوصاً واللبنانيين عموماً. حديث “الفيديرالية” أفسد خطاب عون الخميس، “الطريق الى القدس” على جثة الزبداني أفسد خطاب السيد حسن نصرالله الجمعة، فهل أن خطاب الاعتدال للرئيس سعد الحريري أقنع عون ونصرالله بلجم اندفاعهما نحو الفدرلة؟