IMLebanon

حوار لعيون فيلتمان!

لم يكن عبثياً قولُ وزير الداخلية نهاد المشنوق إنّ «هناك قراراً دوليّاً وجدّياً وكبيراً وغيرَ منظور بانتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية السَنة». وهو يَستدعي طرحَ السؤال الآتي: إذا كان القرار متّخَذاً على هذا المستوى، فيجب أن تتمّ الانتخابات الرئاسية بالتأكيد. إذ مَن هو القادر على مواجهة قرار دولي «جدّي وكبير»؟

يَعتقد المطّلعون أنّ سلسلة مشاورات جرَت في باريس خلال الشهرين الفائتين، وشاركَ فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، شجّعت على عقدِ جلسات الحوار الحالية. وعلى الخط، كان جيفري فيلتمان الذي يقود مسعى لعقدِ تسوية مرحلية داخلية، قوامُها الأقطاب أنفسُهم الذين شجّعهم على عقدِ صفقة «الحلف الرباعي» في 2005 والدوحة في 2008.

بات راسخاً في أذهان كثيرين أنّ اللبنانيين إذا لم يتّفقوا على ملءِ الفراغ الرئاسي خلال الشهرين المقبلين، فإنّهم سيبقون بلا رئيس حتى الربيع المقبل على الأقلّ، لأنّ الاهتمام الدولي سيكون منصبّاً في الخريف على الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستُجرى في تشرين الثاني.

وسيَدخل الرئيس الجديد البيتَ الأبيض في كانون الثاني. وسيَستغرق اطّلاعُه واستيعابه الملفّات الداخلية والخارجية أشهراً عدّة، بل أكثر من عام. ولذلك، لن يكون أحد متفرّغاً لملفّ الرئاسة في لبنان، فتضيع الرئاسة عاماً آخر بالإهمال.

لذلك، هناك فرصة اليوم للاتفاق على رئيس، لأنّ استمرار لبنان بلا رئيس عاماً آخر سيَطرح مزيداً من الشكوك حول عودته إلى صيغته الراهنة. ففي السنة المقبلة، ستكون الملفّات في سوريا والعراق وسواهما قد تبَلورت أكثر، وسيتأثّر لبنان بالمعطيات الجديدة، ولن يعود إلى وضعه السابق.

الجريئون يقولون: سيتغيَّر لبنان بالتأكيد. وحتى واشنطن لم تكن شديدةَ الحماس قبل اليوم لملءِ الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، ليس فقط لأنّها لا تريد أن تدفعَ ثمناً لإيران مقابل المجيء برئيس، بل أيضاً لأنّ عدم وجود رئيس للجمهورية جاءت به الطبَقة السياسية يقدِّم فرصة للتغيير. وهنا ربّما تتقاطع المصالح بين إيران والولايات المتحدة على الفراغ، فيصبح حتمياً.

وما يريده الأميركيون في لبنان، خلال هذه المرحلة، هو تغيير الطبقة السياسية التقليدية وإتاحة المجال للجوّ الجديد لكي يعلن عن نفسه. هذا ما ظهرَ في مناسبات عدة:

– التحفّظات التي أطلقَها السفير الأميركي السابق ديفيد هيل منذ مطلع عهدِه في السفارة في حقّ كثيرين من الطاقم السياسي اللبناني.

– الرسائل التي توالت عبر الموفدين الأميركيين إلى بيروت في السنوات الأخيرة، وتحمل المضمون إيّاه.

– الغطاء الضمني، المعنوي على الأقلّ، للحراك الشعبي المطالب بالتغيير في لبنان.

– النتائج المفاجئة التي أحرزَتها هيئات المجتمع المدني في الانتخابات البلدية، والتي تفوّقَت فيها أحياناً على القوى السياسية التقليدية مجتمعةً، كما حصل في بيروت.

لذلك، يَفهم الطاقم السياسي في لبنان أنّ عليه أنْ «يزيح من الطريق» ويفسحَ المجال لقوى جديدة لكي تعبّرَ عن نفسها. وفي عبارة أكثر وضوحاً، على الطاقم السياسي إمّا أن يُغيِّر وإمّا أن يتغيَّر!

طبعاً، الجميع يخاف على رأسه، ولذلك قرّر أن يغيِّر من الداخل لئلّا يدفعَ ثمنَ التغيير من الخارج. ويحاول كثيرون من هذا الطاقم أن يثبتوا أنّهم يتجاوبون مع الاتّجاه التغييري من خلال تسليم الأجيال الجديدة مسؤوليات القيادة، وآخِر هؤلاء كان النائب وليد جنبلاط المعروف بسرعة إداركه وحساسية «أنتيناته» في التقاط الإشارات، ولا سيّما منها الأميركية.

تيمور وليد جنبلاط هو الجيل الجديد. وآخِر النماذج ما فَعله «التيار الوطني الحر» عندما اختار «ديموقراطيّاً» مرشّحيه للانتخابات النيابية المقبلة. فبَعث برسالة إلى الذين يَعنيهم الأمر بأنّ ورشة الإصلاح بدأت. ولكن، «زاح» عون لباسيل. باسيل «نظَّف» المشاكِسين، ثمّ استفتى البقيّة «على بياض». وعلى رغم ذلك، لم تكن النتائج وفقَ ما يَشتهي.

في الشرق الأوسط الجديد، ستُفرَز الكيانات، ومنها لبنان، مناخات سياسية جديدة، وطواقم من السياسيين الذين يلائمون المتغيّرات الآتية. ومن هذا المنطلق، يمكن استشراف ما ينتظر لبنان من تحوّلات. ويمكن التأكيد أنّ الرئيس العتيد للبنان – عندما تحين ساعته – لن يكون من الطاقم السياسي الحالي.

هذا الحلّ التغييري يمكن أن تعبِّر عنه «السلّة المتكاملة» التي يَطرحها برّي في خلوات الحوار المنعقدة حاليّاً. لكنّ الحلّ أكبر بكثير من خلوات يُراد منها أن تعالج أزمات لبنان العميقة كلّها!

ما هو مؤكّد أنّ خلوات عين التينة لن تنتج «سلّة». لكنّها ستؤسّس لمسار نحو تسوية تأتي في وقتِها، لأنها ممسوكة بيَد «أستاذ» مجرَّب هو برّي، ومدعومة أميركيّاً وتحت عيون فيلتمان… أو لعيونه!