لا يمكن الحكم على مسار حوار ميشال عون وسمير جعجع إلا من خلال المقارنة بين الامس واليوم. هذا ما يبرع به ايلي الفرزلي. فنائب رئيس مجلس النواب السابق يتناول هذه الجزئية الاساسية من الحوار المسيحي الأشمل كجوهرة ثمينة لا يريد لأحد أن يخدشها أو حتى يرمقها بانتقاد غير بناء.
«بات الترشيح الرئاسي العلني محصوراً حتى اليوم باسمي عون وجعجع، وهذا بحد ذاته مكسب»، برأي الفرزلي. أثمرت اللقاءات الأولى بين «الجنرال» وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري ولادة الحكومة السلامية كنقطة أولى في جدول الأعمال، ولكن عندما وصل النقاش الى النقطة الثانية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية علق الحريري الكلام وتم تظهير المواقف التالية في الاعلام: وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل يرسم «لا» كبيرة لعون. والحريري يقول ما مفاده إن لديه حلفاء مسيحيين في 14 آذار لن يتخلى عنهم.
غداة ذلك، انطلق الحوار بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» وتوجّه جعجع إلى السعودية. هذا كان في الأمس، وأما اليوم فثمة معلومات (أوردتها «السفير» قبل أيام) عن اجتماع ضم الحريري إلى جانب الملك سلمان والأمير الفيصل حيث كرّر الفيصل «لاءه» نفسها. يفترض الفرزلي أن اللقاء حصل فعلياً، لكنه يقول إن في الخبر المتداول لم يتم تسريب اي كلام عن الملك بينما تم الحديث عن الموقف الثابت للفيصل والموقف المتقدم للحريري. الأخير تناول، وفق الخبر المتداول، الحيثية التمثيلية لعون وبأنه ضرورة للاستقرار ولحماية الدستور. هذا الموقف، برأيه، يعني أن الحوار «وصل الى مرحلة متقدمة عما كان عليه في السابق».
وعليه، فإن التسريب «مقصود» للتدليل على ضرورة استمرار الحوار اذا ما قرئ بالطريقة الفرزلية. لكونه، بلغ مرحلة متقدّمة باتت تقدّم فيها الأسباب الموجبة لضرورة ترؤس عون رئاسة الجمهورية. يقول الفرزلي: «من دون شك، المسار طويل ولا مشكلة، فالبلد اليوم أفضل حالاً مما كان عندما كان هناك رئيس نظراً للانسجام الحكومي والشعور بالمسؤولية لناحية عدم تقدّم أي طرف للمناورة بسبب غياب أي ثغرة كانت ممثلة بميشال سليمان». فرئيس الجمهورية السابق، برأيه، كان يبحث عن دور، ظهر بعد مغادرته، فيعرقل من أجله أي قرار ممكن أن يساهم في إعادة الدور المسيحي». ويحضره عن سليمان قول للمتنبي:
«أعيذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم في من شحمه ورم».
وهل ستنشغل السعودية في «عاصفة الحزم» اليمنية وتترك للبنانيين شؤونهم الرئاسية كغيرها من الدول؟ يقول الفرزلي: «السعودية أعطت الغطاء للحوار والاستقرار في لبنان، حيث هناك حدود للصراع، خصوصاً أن الأميركي جدي في حرصه على المسألة الأمنية وبات مدركاً تماماً لموازين القوى في لبنان».
في مقاربته لبورصة التعيينات، ورفع سن التقاعد للعسكريين وربطها بمقايضات قد يقبل بها عون أم لا، يعتبر الفرزلي أن الدستور والنظام في ازمة وكل ما يطرح من هذا القبيل هو نوع من اللهو والتسلية.
يُضيف: «أما أن ينتخب رئيس قادر على إعادة إنتاج الحياة الدستورية وصناعة الوفاق والتوافق أو أن البلد ذاهب حتماً الى دستور جديد وتغيير للنظام». هل هذا يعني أما ميشال عون أو تغيير النظام؟ يجيب: «أما عون أو جعجع أو سليمان فرنجية. الأساس هو في إعادة إنتاج ثقافة الرئيس ذي الحيثية التمثيلية التي تصحح الصورة التشاركية في لبنان وليس «كومانبو» يوصلنا الى ما وصلنا اليه».
هل يمكن أن يقبل عون بأية مقايضة رئاسية مع قيادة الجيش؟ يعلق الفرزلي: «الحملة ضد العميد شامل روكز مصطنعة، فهل إذا صاهر ضابط كفوء عون يُحرم من حقوقه؟ وهل أصبح جرماً أن يكون عون ضد التمديد للقادة الأمنيين؟ فالنظام العاجز عن أن يعين بالكفاءة وفق التراتبية وبعيداً من لعنة التمديد التي لاحقت لبنان في أكثر من مرفق إنما هو نظام مفلس ويجب تغييره». ويختم قائلاً: «عون لن يخرج من ساح الرئاسة إلا شهيداً».