يُشكّل ثلثي رقم الأعمال السنوي ويعتمد عليه التجار لكسر جمود الشتاء
أيام قليلة لانتهاء العام ينتظرها قطاع الأعمال في لبنان من سنة لأخرى. فما بين الميلاد ورأس السنة “عيدٌ” للقطاعات التجارية والخدماتية. المبيعات في هذه الفترة تشكل “زخراً” لمواجهة قساوة كوانين قبل أن يحل شهر التسوق في شباط. هذا كان في الوضع الطبيعي، أما اليوم فالمؤسسات تنتظر انتهاء موسم الاعياد لتبيع ما تستطيع، وتقفل مطلع العام الجديد.
الدلالات على ضعف الحركة في الأسواق التجارية لا تحتاج إلى دليل أو حتى تحليل. يكفي المراقب المرور بأحد الشوارع التجارية في بيروت الكبرى ليلحظ حجم الكارثة. مئات المؤسسات أقفلت أبوابها وصرفت عمالها. والباقي منها تستدل على وضعها من تذمر أصحابها المنتظرين زبوناً “من غيمة” على أبواب محلاتهم. لم يعد هناك من فرق بين شوارع الحمرا والأشرفية ومارالياس وفرن الشباك… الوجع واحد والمصيبة على الجميع مهما حاولوا التصدي لها بألوان الميلاد الحمراء ونسب التنزيلات. فالاسعار مقومة بالدولار وعلى سعر صرف قد يتجاوز 30 ألف ليرة، “لانه بدنا نضل ضاربين حساب للعبة الدولار”، يقول أحد التجار. من دون أن ينفي أن لا أحد يشتري عند هذا المستوى من الاسعار. حيث تجاوز سعر الحذاء ما يتقاضاه 80 في المئة من اللبنانيين”.
PMI يتراجع إلى معدلات قياسية
بالارقام، تراجع “مؤشر مديري المشتريات” PMI الصادر عن بلوم بنك نهاية الشهر الماضي إلى أدنى مستوى في 9 أشهر، أي منذ شباط الفائت. وقد انخفض في ظرف شهر واحد من 46.6 نقطة إلى 46.1 نقطة. وللعلم فان هذا المؤشر يستند على 5 ركائز رئيسية، هي: الطلبيات الجديدة، ومستويات المخزون، والإنتاج، وحجم تسليم المُوردين، وبيئة التوظيف والعمل التي يرسلها مديرو المشتريات في مئات الشركات شهرياً. إذا كان الرقم أعلى من 50 نقطة فهذا يعني تحقيق القطاع الخاص نمواً، وكلما كان أقل من خمسين كلما دل على ارتفاع الانكماش والتراجع الاقتصادي. وقد قارب أن يلامس 45 نقطة في لبنان مع نهاية كانون الأول 2021.
التعويض المستحيل
تشكل المناسبات في نهاية العام بالنسبة للكثير من القطاعات التجارية “ثلثي رقم الأعمال السنوي”، يقول أمين عام الجمعية اللبنانية لتراخيص الإمتياز “الفرانشايز” يحيى قصعة. وعليه ينتظر التجار ومقدمو الخدمات في مجالات الأزياء والهدايا… نهاية كانون الأول من كل عام لتحقيق رقم أعمال ختامي كبير. إلا أن هذا العام سينتهي على مأساة ومعاناة كما بدأ، ولو أن بعض المجالات تشهد حركة مقبولة”.
المشكلة من وجهة نظر قصعة هي “تغيّر تركيبة الأسواق في لبنان”. إذ فقدت الأخيرة الشق الفاخر الذي كان يضفي غنى وتنوعاً على الأسواق اللبنانية، ويشكل حافزاً لكثير من السياح والمتسوقين للقدوم إلى لبنان للشراء من متاجره غير المتوفرة في الكثير من الدول والوجهات السياحية. وبحسب قصعة فان “التراجع في هذا المجال فاق 80 في المئة منذ بداية الأزمة. وعليه فان أي حجم للمبيعات التي ممكن أن يحققها التجار في هذه الفترة، ستأخذ منحنى انحدارياً مهما زادت”.
“الفرانشايز” يخسر ثلثي قيمته
في سنوات ما قبل الأزمة “استوطن” لبنان أكثر من 1100 علامة تجارية “فرانشايز”، امتلكت ما يفوق 5700 فرع. وقد بلغت مساهمتها التقديرية بالاقتصاد حوالى 4 في المئة، أو ما يعادل 2.3 مليار دولار في ظل ناتج محلي بقيمة 56 ملياراً. ومع العصف الأول للأزمة خرج نصفها تقريباً من السوق اللبنانية. واستمر هذا القطاع المميز بالتراجع قيمياً وعددياً. وبحسب قصعة فانه “من شبه المستحيل إعطاء رقم دقيق للخسائر بعد عامين على اندلاع الأزمة. فمجرد استخدام الاقتصاد لليرة واللولار، بتنوع أسعاره، والدولار النقدي، وفي ظل الاختلاف على المعايير المحاسبية الموحدة وعدم تطبيق المعايير الدولية، وتحديداً IFRS، فان الكلام بالارقام لا جدوى ترتجى منه. ولكن لكي نبسطها فان قطاع تجارة الفرانشايز قد يكون خسر ثلثي قيمته، استناداً إلى خسارة الناتج المحلي الاجمالي ثلثي قيمته وانخفاضه إلى حدود 20 مليار دولار. هذا من الناحية النظرية، أمّا على أرض الواقع فان الامور ليست مختلفة ويمكن الملاحظة بسهولة أن ثلثي المؤسسات في لبنان أقفلت أبوابها، أو أنها لا تعمل”.العودة ممكنة، ولكن!
الضغوط التي تعرض لها قطاع الفرانشايز في لبنان فتحت له في الخارج فرصاً مهمة. فاصحاب الأفكار والعلامات التجارية من اللبنانيين يتوسعون إلى افريقيا ومصر ودول الخليج وسلطنة عمان، وحتى أوروبا وباريس. بخطوة تثبت من وجهة نظر قصعة “عدم استسلام اللبناني ومحاولاته تجريب كل الطرق للنجاح والتقدم وإيجاد الحلول. على أمل أن نتمكن من صرف هذه الحالة الايجابية التي تشهدها العلامات التجارية في الخارج في وطننا في القريب العاجل. وكل ما نطلبه هو بصيص نور وأمل والقليل من الاستقرار لنعيد تموضعنا على قواعد واضحة”.
القادم أسوأ
تراجع الاستيراد هذا العام بنسبة تجاوزت 50 في المئة بالنسبة للقطاعات التجارية غير النفطية، وفقدان الليرة لحوالى 95 في المئة من قيمتها ضغطا بشدة على القطاعات التجارية. وهذا الواقع لن يتغير في العام القادم على الاكيد”، بحسب الخبير الاقتصادي د. باسم البواب. و”لا مؤشرات إيجابية تبشّر بأن العام 2022 سيكون أفضل من العامين السابقين. فالقدرة الشرائية عند المواطنين مستمرة بالانخفاض والدولار مستمر بالارتفاع. هذا من جهة، أما من الجهة الثانية فان العام القادم سيكون حافلاً بالمحطات السياسية التي تبدأ بالانتخابات النيابية ومن ثم تشكيل حكومة جديدة لنصل في نهايته إلى الانتخابات الرئاسية”. كل هذه العوامل إذا ما أضفناها على رفع الدعم عن السلع والمنتجات الاساسية من مواد غذائية ومحروقات “نستنتج أن الأمور ستزداد صعوبة على المستهلكين والتجار على حد سواء”، من وجهة نظر البواب. فالمستهلكون بدأوا بالتخلي عن الأمور الأساسية، فما بالنا بالكماليات وبقية السلع والخدمات.
بالاضافة إلى تأزم الوضع الداخلي، الذي يقارب حدود الانفجار في أي لحظة، فان العودة إلى التشدد في ما خص إجراءات مكافحة كورونا سترخي بثقلها أيضاً على القطاعات التجارية والخدماتية. وقد يجبرون على الإقفال لفترات غير محددة.