كم سيدوم أثر الصدمة التي خلفتها فينا صور الطفل الحلبي عمران؟ وهل سنتذكر نظراته الساهمة والغبار الذي غطى جسده وجبينه الدامي وشعره الجميل أياما معدودة؟ أو ربما أكثر بقليل.
لم يكن بالإمكان النجاة من تلك الاهتزازة الشعورية القوية التي عصفت بكل من شاهد صور عمران٬ الصبي الذي نجا من موت محتم إثر قصف النظام السوري أو الروسي لحلب٬ وكيف بدا ذاهلا مستكينا عاجزا حتى عن البكاء٬ في حين يجلس على كرسي سيارة الإسعاف. أبكتنا كثيرا صور عمران وهو الذي عجز عن بكاء حاله وخوفه. لكن الفجيعة الحقيقية هي أن أثر تلك الصورة رغم انتشارها الكبير والاهتمام الإعلامي العالمي سيذوي سريعا ويلقى مصير آلاف الصور التي التقطت في سوريا خلال السنوات الست الماضية.
مآل صورة الطفل عمران إما النسيان وإما الاستسلام…
فعلناها قبلا مع صور الطفل الغريق على شواطئ أوروبا إيلاي٬ وفعلناها قبله مع 11 ألف صورة وثقت ما ارتكبه النظام السوري في سجونه٬ بل نحن واظبنا على العيش بين دفتي الفجيعة بالصورة يوما ونسيانها في اليوم الثاني على مدى ستة أعوام. فمثل هذه الصور يثير المشاعر والاضطراب وهذا قد يكون حًسا عفويا ومطلوبا٬ وربما يجلب معه اهتماما سياسيا ومساعدات إنسانية وضجة إعلامية٬ لكن هذا كله يعيش عمرا قصيرا سرعان ما ينقضي لتحل محله البلادة وانعدام الاهتمام وبالتالي تراجع مبادرات الضغط من أجل حل.
لربما كانت الحرب الأهلية الإسبانية النزاع العنيف الأول الذي يتم تصويره بطريقة حديثة بمعنى التقاط صور مقربة من الميدان وبين المدنيين. عقود طويلة مرت على تاريخ بدء توثيق الحروب ونقل صورها القاسية إلى أن وصلنا اليوم إلى الحرب في سوريا٬ التي تعيش صراعا ما بعد حداثي فيما يتعلق بالصور. فبمساعدة التقنيات الحديثة من كاميرات وهواتف ذكية ومواقع التواصل الاجتماعي بات بإمكان صور العنف أن تطوف الكرة الأرضية في لحظات٬ وهذا ما اختبرناه على نحو بالغ الكثافة في الوضع السوري.
وفي سوريا بذل مصورون صحافيون ومواطنون وناشطون جهدا نبيلا واستثنائيا لتغطية مناطق خطرة ودموية بهدف إيصال حقيقة ما يعيشه الرازحون هناك. وحين نسأل هؤلاء الصحافيين والناشطين لماذا يفعلون ما يفعلون٬ أي لماذا يلتقطون تلك الصور ويخاطرون من أجلها؟ سنجد دائما فكرة واحدة تطغى٬ وهي الرغبة في أن تساهم الصور في عدم تكرار المأساة٬ فلطالما راودت موثقي الحروب وناقلي صور العنف فكرة أن نقل تلك الصور سيقود حتما نحو تغيير ما ووضع حد لعذاب أصحابها.
كان هذا قبل سوريا التي تحطمت فيها قدرة أي صورة على إحداث تغيير٬ فباتت الصور تفيض وتتبارز في إظهار العنف دون القدرة على منعه. لقد أصابتنا صور عمران٬ لكننا لا نزال حيال المأساة السورية عاجزين لا نقوى سوى على إشاحة البصر.