Site icon IMLebanon

قليل من الوفاء

لندع السياسة جانباً.

لندع الشماتة والتشفّي جانباً.

لندع الكيدية جانباً.

ولنغادر مربع الانكار والمكابرة، لمرة واحدة فقط!

سعد الحريري اليوم في مشكلة. آل الحريري اليوم في مشكلة.

«تيار المستقبل» اليوم في مشكلة. وعناوين المشكلة كبيرة. لكن، هناك عنوان رئيسي، له مسبّبات ليست موضوع نقاشنا الآن. ألا وهو الازمة المالية.

صحيح، أن الناس العاديين، أو غير العاديين، ليسوا معنيين اليوم بحياة آل الحريري الخاصة. لا كيف يصرفون ولا كيف يأكلون ولا أين يسهرون وإلى أين يسافرون وماذا يشترون.

وصحيح ايضاً، أن قلة قليلة جداً، تهتم بمحافظة هذه العائلة على مستوى عيشها الرغيد. وهذا ليس من شأن أحد قبولاً أو رفضاً.

وصحيح أكثر، أن أحداً لن يعمل اليوم مستشاراً عند آل الحريري، لفض المشكلات العالقة بينهم، أو مشكلات شراكاتهم على أنواعها. ولا العالق من تركة الراحل رفيق الحريري.

لكن، هناك ملف، بات مسؤولية عامة، ومسؤولية خاصة أيضاً، وهو يتعلق بمصير آلاف العائلات التي انعكست وتنعكس عليها اليوم سلباً نتيجة الأزمة المالية لعائلة الحريري. وهذه العائلات، تشبهنا جميعاً. آباء أو أمهات تركوا كل شيء، والتحقوا بمؤسسات الحريري في البلاد وخارجها. أبناء كبروا وتخرجوا والتحقوا أيضاً بشركات الحريري داخل البلاد وخارجها. وهذه العائلات تجد نفسها اليوم تحت وطأة الحاجة الملحّة: لا نقصد حاجة المحافظة على المستوى المعيشي الذي ألِفته واعتادت عليه. بل لدى غالبية كبيرة من هذه العائلات حاجة المحافظة على الحد الأدنى من العيش الكريم. الحاجة إلى أن يبقى أولادها في المدارس والجامعات. الحاجة إلى الاحتفاظ بالمنازل التي تقطنها وقد حصّلتها بعرق الجبين، بعدما باتت مهددة أن يصادرها مصرف او مقرض او مقاول. الحاجة إلى الاحتفاظ بالتأمين الصحي لئلا يتبهدل أفرادها أو يموتوا على أبواب المستشفيات. الحاجة، بل الحق، في أن يبقى أفراد تلك العائلات يعيشون بكرامة، لا تتطلب منهم التسول عند هذا الزعيم او ذاك. وان يبقى القسم الاكبر منهم، على هدوئه الاجتماعي، وحتى على ثباته في الافكار والعقائد والسياسة، فلا ينتقلوا، تحت ضغط الحاجة، من ولاء إلى آخر، وأن نمنحهم فرصة البقاء أحراراً، أعزّاء، لا يكبلهم الفقر أو يذلّهم العوز.

من استفادوا من امبراطورية الحريري يسمعون اليوم صراخ المهددين في رزقهم ولا يتحرّكون

لكن ماذا نفعل؟ ومن بيده الفعل أصلاً؟

يجب أن تقال عبارات بسيطة لحسم جدل لن ينتهي. وفيها الآتي: بمعزل عن المشروع السياسي الذي حمله رفيق الحريري أو ورثته، أو من يقف خلفه إقليمياً ودولياً… وبمعزل عما وصلت إليه أمور هذا الفريق أو ذاك الجمهور أو تلك الدول.. وبمعزل عن كل نقاش حول شكل المساعدة المطلوبة وخلفيتها وأهدافها وطريقتها… بغض النظر عن كل ما سبق، علينا القول إن عشرات آلاف اللبنانيين، من طوائف مختلفة، ومناطق مختلفة، استفادوا على مر ثلاثة عقود من امبراطورية الحريري. بين هؤلاء، حفنة من الجاحدين يسمعون اليوم صراخ الموظفين المهددين في رزقهم وحياتهم، ولا يتحرّكون. ولا يعبّرون عن أدنى استعداد لرد بعض الجميل لآل الحريري، وفتح الخزنات التي ملأها لهم رفيق الحريري وورثته لإنفاق جزء يسير منها، بهدف وقف الكارثة الانسانية والاجتماعية المقبلة على لبنان. وللإشارة، فإن بعض هؤلاء أركان في ماكينة الحريري الوزارية والنيابية والسياسية والاعلامية. وبينهم أيضاً، مصرفيون واقتصاديون ورجال أعمال «لحم اكتافهم من خير الحريري».

هذه الفئة، ليس متوقعاً منها أي مبادرة تساعد، ولو جزئياً، على مواجهة الازمة التي تعصف اليوم بمؤسسات الحريري على اختلافها. وإذا فعلت، فسيكون ذلك من عجائب الدنيا. فلنتركها، وليصطفل الله به في الدنيا والآخرة، بلغة المؤمنين!

لكن، يوجد اليوم في لبنان، أكثر من خمسة وعشرين ألف رجل وامرأة، صاروا في عمر المنتج والمحصل للمال. وهؤلاء حصّلوا علمهم في جامعات رفيعة، في لبنان والعالم، بفضل المنح التي قدمتها «مؤسسة الحريري» للتعليم. وهؤلاء، ربما يعيشون اليوم في حدود المتوسط او الادنى من شروط العيش. لكنهم أفضل حالاً من الموظفين والموظفات الذين ستطردهم مؤسسات الحريري في الأيام القليلة المقبلة. فهم يعيشون استقراراً اجتماعياً، أو لنقل إن غالبيتهم، ليسوا مضطرين إلى طرق الأبواب من أجل ملْبس أو طعام.

أليس من البديهي أن يبادر هؤلاء الآن، إلى رد بعض الجميل الذي يدينون به إلى رفيق الحريري وعائلته؟ ليس مطلوبا منهم الكثير، بل المطلوب الالتزام طوعاً، بنص العقد الذي وقعوه يوم اخذوا المنحة من «مؤسسة الحريري»، وان يعيدوا المبالغ التي انفقت عليهم خلال مراحل التعليم! ليست مهمة مستحيلة. ومن لا يقدر على سداد القرض كله، ليدفع ما يقدر عليه. ليس الهدف شراء سيارة جديدة لسعد أو نادر أو أحمد، بل تغذية صندوق تضامني تصرف منه تعويضات الذين يتعرضون اليوم لأقسى اختبارات الحياة وأكثرها اذلالاً، ألا وهو العوز ومد اليد.

من جانبي، وفي عائلتي الصغيرة، فإن نسرين زوجتي، هي ممن استفادوا من منح «مؤسسة الحريري» مطلع تسعينيات القرن الماضي، ما مكنها من انجاز تعليمها في الجامعة الاميركية في بيروت، الامر الذي لم يكن ممكناً بجهد العائلة فقط. اقترحت عليها الفكرة وتحمّست لها. وهي ستبادر إلى إعادة المبلغ الذي تدين به إلى «مؤسسة الحريري»، على أمل أن يستخدم طبعاً في تغطية تعويض ولو موظف واحد اضطرت احدى مؤسسات الحريري إلى صرفه من الخدمة.

ليس في الامر شطارة، او بطولة! وليس فيه غزل سياسي او خلافه. بل فقط، قليل من الوفاء لرجل ساهم في منح أبناء وبنات الطبقات المتوسّطة والفقيرة، فرصة الحصول على مستويات تعليمية عالية، مكنتهم من الارتقاء في السلم الاجتماعي، وتحقيق النجاح والعيش الرغيد.