IMLebanon

ماذا عن «العام التالي»؟

 

 

أسقطت التطورات الأخيرة مجموعة من السيناريوهات الوهمية وفتحت النقاش على أخرى بطريقة مذهلة. وهو ما يقود الى توقعات تتناول عدداً من الملفات المفتوحة التي تعني اللبنانيين وتتراوح بين ما هو عسكري وسياسي كنتيجة حتمية لمجموعة من الخيارات التي تعكسها بعض المعطيات التي ألقت بثقلها على العقول والأذهان، في مرحلة عبر فيها «اليوم التالي» للحرب في ذكراها السنوية الأولى في 8 تشرين الاول الجاري، وفتحت الآفاق على «العام التالي»، بما فيها من توقعات، وهذه هي بعض المؤشرات الدالّة.

تعدّدت المحطات المأسوية التي عاشها اللبنانيون في الأسبوعين الأخيرين، قياساً على حجم التطورات العسكرية التي فرضها العدوان الاسرائيلي على لبنان بحجة الدفاع عن النفس وإعادة عشرات آلاف النازحين إلى المناطق الشمالية ووقف العمليات العسكرية، بعد عام على تهجيرهم، من دون ان تُتخذ اي خطوات حاسمة، بعدما ربط «حزب الله» موقفه من أي تطور على الجبهة اللبنانية بما يجري في غزة، في محاولة لتكرار تجارب «الهدن الإنسانية» الخمس التي استغلت لتبادل الأسرى بالمعتقلين، وإدخال المساعدات الطبية والغذائية والمحروقات إلى القطاع تعويضا لما تسببت به المجازر وتدمير القطاعات الحيوية.

وفي محاولة لكسر هذه الحلقة التي تحكمت باحداث غزة والجنوب لجأت إسرائيل مؤخرا الى استراتيجية مغايرة قلبت فيها الأوضاع. فبهدف تجنب أي تنازلات لـ«حماس» لقاء تمسّكها بورقة الأسرى وانهاء الارباك على الساحة الداخلية، ومصادرة ورقة مماثلة يمسك بها «حزب الله» عند ربطه أي وقف للنار بمثله في غزة، واصلت إسرائيل مناوراتها لتغيير المعادلة. فجمّدت عملياتها في غزة بقرار أحادي تدون أي وقف للنار وتمسّكت بمعبر فيلادلفيا، في مواجهة مع القاهرة وواشنطن، لتتفرّغ للوضع في لبنان، فتعطّلت كل الوسائل الديبلوماسية ومعها الاقتراحات الأميركية.

وفي مقابل هذه التطورات، فرضت الحرب على لبنان أولويات دولية جديدة، وقدّمت نموذجاً مليئاً بالمفاجآت دمجت فيه تقنياتها التكنولوجية مستندة إلى «الذكاء الصناعي» بقدراتها التدميرية. فكانت مجزرة «البايجر» قبيل تفجير شبكة الـ «ووكي توكي»،على وقع مودة إغتيالات طاولت رؤوساً عسكرية وأمنية في الحزب وصولاً الى رأس الهرم الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في اقل من 10 ايام. وهو ما شكل صدمة كبيرة في صفوف الحزب بعدما طاولت الصفين الأول والثاني في القيادة وعطّلت «المجلس الجهادي» وما يوازيه على المستويات اللوجستية والادارية والمالية وصولا الى منظومة «القيادة والسيطرة»، بعدما اغتالت في أوقات سابقة عدداً من قادة المحاور بهدف قطع التواصل الفعّالة بين القيادة والقواعد فأصابتها في مكامنها الموجعة.

وبعيداً من هذه الصورة عن الوضعين العسكري والسياسي، وما واكبها بموجات من قصف مدمّر، لا يمكن تجاهل ما تسببت به من تجميد للوساطات. وفيما كانت المحاولات جارية في الامم المتحدة من أجل وقف النار وتطبيق القرار 1701 كانت العمليات العسكرية قد قلبت الصورة وتغيرت الاولويات لتنعكس على المداولات الديبلوماسية الجارية وتحولت هزيلة وسخيفة بلا أي جدوى.

وفي مقابل اختيار المجتمع الدولي الآليات التي نص عليها 1701 والقرارات ذات الصلة، تعطّلت المبادرة الفرنسية – الاميركية التي أطلقها الرئيسان جو بايدن وايمانويل ماكرون ومعهما عدد من دول العالم. وجاءت الآلة العسكرية الاسرائيلية لتفرض البحث في آليات جديدة لخفض التصعيد، ليس على مستوى الحدود الجنوبية فحسب. ولذلك تقدّمت أزمة النازحين وما رافقها من حاجيات لتزيد من التعقيدات، بدءاً من مواقع لإيواء اكثر من مليون لبناني أُضيفوا إلى عدد مماثل من النازحين السوريين. فتعددت التحدّيات كنتيجة حتمية للعمليات العسكرية التي استهدفت قرى الجنوب وأحياء الضاحية الجنوبية والمناطق التي تشكّل البيئة المساندة للمقاومة في البقاع من أقصى الجنوب إلى شماله وصولاً إلى قلب بيروت وجبل لبنان، وتلك التي قطعت كل أشكال التواصل بين لبنان وسوريا بما فيها من معابر شرعية وغير شرعية.

وتأسيساً على هذه المؤشرات، فقد توسعت المخيلات بحثاً عن السيناريوهات المقبلة على محدوديتها، فتعدّدت المحاولات من أجل مقاربة جديدة للأزمة تبدأ بمساعي إنتخاب الرئيس العتيد للجمهورية ليتولّى ترميم المرحلة واستيعاب حالات الإحباط المتوقعة. ففي ظل عدم القدرة على تطويق وإنهاء الحرب بكل مظاهرها بعد القرار بالمضي بحرب «الإلهاء والإسناد» برعاية ايرانية مباشرة، بعدما انغمست ايران فيها على ساحتي لبنان والمنطقة اادارة الشؤون الحزبية وخصوصاً الشق العسكري منها لتزيد في الطين بلة. فتغيّرت معطيات عدة ربطت بين ما يمكن ان تقوم به «المقاومة» وما نشأ على هامشها من مواجهة اسرائيلية ـ ايرانية مباشرة، دفعت إليها الضربات المتبادلة وآخرها وابل الصواريخ الايرانية البالستية البعيدة المدى رداً على اغتيال عدد من القادة اللبنانيين والفلسطينيين في طهران والضاحية، فباتت المواجهة في حاجة الى من يعالجها على المستوى الدولي. وبناءً عل كل ما تقدّم، ظهر جلياً أنّ الحديث عن «اليوم التالي» للحرب بات أبعد مما يتصوره احد، وإن تمّ ربط مصيره بما يمكن أن يقود إليه الردّ الاسرائيلي على ايران والردّ على الردّ والذي قد لا يكون حاسماً. وإن ربطت مواعيد الحل بالانتخابات الاميركية قد لا يكون ذلك كافياً، إن كانت الحاجة ماسّة الى أن تمسّك الإدارة الجديدة بزمام الأمور مطلع السنة المقبلة. ولذلك فقد طوي البحث عن «اليوم التالي» على قاعدة ما يمكن أن يأتي به «العام التالي». فلننتظر ما تأتي به التطورات المقبلة.