بالرغم من حدّة الخطاب السياسي والتراشق بالتهم، وكثرة القضايا والمشاكل والمآزق التي تعتبر مُتَنَفّساً لمن يريد أن «يفش خلقه» وكذلك لمن يريد أن يتحامل على سواه، وأيضاً لمن يخجل (أو يخاف) أن يقول في العلن ما يقوله في الخفاء (…) بالرغم من هذا كله فإنّ ما يتردّد، هذه الأيام، في اللقاءات المغلقة يبلغ حداً غير مسبوق في لبنان.
ونقصد هنا بـ «الأماكن المغلقة» الآتي: 1- البعيدة عن الأضواء العامة والإعلام. 2- التي تضم أشخاصاً من طرف واحد سياسي. 3- التي يلتقي فيها أبناء طائفة واحدة أو مذهب واحد.
مؤسف هذا الأمر؟
مؤسف جداً. خصوصاً بالنسبة الينا، لأنّ أبناء جيلنا لم يعرفوا هذين الحدة المذهبية والإنقسام السياسي، حتى في مرحلة الحرب التي ضربتنا في العام 1975، ولما تبارحنا (كلياً) بعد.
ولكي لا يبقى الكلام في العموميات نود أن نشير الى بضع نقط هي مدار تداول في أوساط ليست بالضرورة شعبية «عادية» وحسب، بل أيضاً فيها نخب: مثقفون بارزون وجامعيون، و «متصدرون»، ورجال دين، ورجال قانون، و… رجال مال وأعمال.
ويجدر القول إنّ اللقاءات ليست وقفاً على كونها ضمن فريق واحد، بل هي «موضة» ذات صفة شمولية كونها متواجدة في مختلف الطوائف والمذاهب، والبعض من المدمنين على حضور اللقاءات باتت له «شرعية ما» لدى المرجعيات الدينية، وأحياناً لدى المرجعيات السياسية (رسمية وغير رسمية).
ماذا في تلك اللقاءات؟ سنكتفي بإيراد موجز عنها:
لدى «اللقاءات المسيحية» الفكرة السائدة هي الفيدرالية! ومن لا يصدّق فلينتظر من الآن الى الربيع المقبل حيث سترتفع الفيدرالية شعاراً يدعمه البعض (المسيحي) علناً ويعارضه آخر شكلاً. ويبدو أن هذا الفريق لم تعد تقنعه اللامركزية الإدارية حتى الموسّعة. وفي هذا السياق هناك مجموعة دراسات كان بعضهم قد اعد قسماً منها منذ العام 1982 ولا تزال محفوظة حول الفيدرالية من منطلق: الأهمية، الفوائد على مستوى الوطن عموماً، المضار على الوطن، الفوائد على المسيحيين والمضار عليهم.
ثم هناك أيضاً في الفريق المسيحي تقدم في بحث موضوع المثالثة. والذين يؤيدون هذه الفكرة يقولون إنّ المثالثة تعطينا الثلث الحقيقي بينما المناصفة تعطينا «نصفاً وهمياً» (وثمة دراسات بالأرقام في هذا السياق). ويقول أصحاب هذا الرأي: يجب أن نقر، من موقعنا المسيحي، اننا أضحينا اقلية في البلد لا نتجاوز الثلث… وليس المجال اليوم الدخول في اسباب هذا الضمور(ثقافياً واجتماعياً ودينياً وتجنيساً وسياسياً…) المهم أننا هنا. وبالتالي فإن اخوتنا في الوطن المسلمين أقروا لنا «وقف العداد» ولكنهم لم يقروا لنا بأن نمتلك النصف فعلياً. وهذا معروف من مجلس النواب الى مجلس الوزراء مروراً بالإدارة العامة الخ…
ومن ثم هناك إقتراح مسيحي (إذا كان ما تقدم متعذراً) بتداول الرئاسات الثلاث مداورة على الطوائف والمذاهب الثلاثة الكبرى.
أما لدى أهل السنة والشيعة فكلام هو أيضاً خطير قد نعود اليه في هذه الزاوية وقد لا نعود.