لا شكّ في أنّ عملية صحيفة «شارلي إيبدو» التي أودَت بحياة 12 شخصاً، وهزَّت فرنسا والعالم كلّه، ستشكّل منعطفاً أساسياً على المستويَين الأمني والاجتماعي في كلّ دوَل القارّة العجوز، وستضع الجمهورية الخامسة أمام تحدّيات كبيرة.
تصريحات كبار المسؤولين الفرنسيين توحي بأنّ قادة البلاد لم يستفيقوا بعد من الصدمة، خصوصاً أنّ مؤشّرات بورصة المواقف الشعبية تشير إلى أنّ تداعيات هذه العملية ستلقي بظلالها على الجالية الإسلامية المنتشرة، ليس في أوروبا فحسب، بل في كلّ بقاع الأرض.
مصادر أمنية روسية تعتبر أنّ القيام بعمليات إرهابية كان متوقّعاً، في اعتبار أنّ الآلاف من الذين التحقوا بالمنظمات المتطرّفة في سوريا والعراق قد جاؤوا من دوَل غربية، ليس للجهاد هناك فقط بل لتلقّي التدريبات اللازمة والعودة إلى تلك الدوَل لتنفيذ أعمال إجرامية.
وتؤكّد المصادر أنّ أجهزة الأمن الروسية كانت قد حذّرَت عواصمَ غربية كثيرة من خطورة تلك الظاهرة من خلال الخيوط الديبلوماسية، لكن للأسف فإنّ الغرب لم يأخذ تلك التحذيرات على محمل الجدّ، وتعاطى باستخفاف مع هذه القضية، في اعتبار أنّه كان يعتقد بإمكانية استخدام هؤلاء الإرهابيين للاستمرار بتنفيذ مخطّطاتة في تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط.
وتعتبر المصادر أنّه كان واضحاً من خلال نشاط تنظيم «داعش» الارهابي والفصائل التابعة له أنّ هناك ارتباطاً واضحاً بتنظيم القاعدة الذي بدأ يبحث لنفسه عن موطئ قدَم بعد ان تشتّتَت قواه عقب الحرب في افغانستان، وبالتالي فإنّ عمليات توسيع النفوذ التي قام بها هذا التنظيم خلال العام المنصرم في دوَل جوار سوريا والعراق تُعتبَر مؤشّراً واضحاً، على أنّ طموح هذه التنظيمات هو الاستمرار بالتصعيد من خلال تكثيف العمليات الإرهابية والتوسّع باتّجاه قارّات أخرى.
وترى المصادر أنّ الأسلوب الذي تمّ اتّباعه من قبَل منفّذي عملية باريس يؤكّد أنّ لديهم قدرات كبيرة ومهارة عالية في تنفيذ الأعمال الإرهابية، ممّا يعني أنّهم تلقّوا تدريبات مهمّة وعلى مستوى عالٍ من الدقّة، وأنّ هناك شبكة مؤازرة ساهمَت في عمليات التخطيط والرصد والتنفيذ.
ولا تستبعد المصادر أن تشهد دوَل أوروبّية اخرى أعمالاً إرهابية مماثلة، لا سيّما أنّ عدداً كبيراً من أولئك المقاتلين قد عادوا في الآونة الاخيرة من العراق وسوريا إلى أوروبا، وبالتالي فإنّه لا بدّ من توسيع دائرة التعاون في المجال المعلوماتي بين الأجهزة الامنية في الدوَل الاوروبّية وبلدان الشرق الاوسط وغيرها لتوسيع عمليات رصد تلك المجموعات، لأنها ستصبح عاجلاً أم آجلاً قنابل موقوتة أينما وُجِدت.
وترجّح المصادر أن يؤدّي ازدياد نشاط الإرهابيين في الغرب إلى تنامي الحركات اليمينية المتطرّفة هناك، وقد يدفعها الى ردود أفعال من شأنها أن تزيد الأمور تعقيداً، والدليل على ذلك تعرّض بعض أماكن العبادة الإسلامية في مناطق عدة من فرنسا الى اعتداءات بعد هجوم باريس، لذلك فإنّه إذا لم تسارع الحكومات الاوروبية الى معالجة هذه المعضلة على المستوى الشعبي فإنّ الأمور قد تتأزّم وتؤدّي إلى المزيد من العنف، خصوصاً أنّ الجالية الإسلامية في اوروبا باتت جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي هناك.
وتشدّد المصادر على ضرورة معالجة منابع الإرهاب وطرق وأساليب ومصادر تمويل المنظمات الإرهابية، لأنّها المدخل الواقعي لتحقيق نتائج إيجابية في هذا المجال، وإلّا فإنّ كلّ الحروب التي تشَنّ هنا وهناك لن تؤدّي إلى القضاء عليه.