IMLebanon

خمسون سنة لاستفاقة شعبية

عممت سيدة تتابع تطورات السياسة والمجتمع مقالاً للكاتب والصحافي الفذ الراحل كامل مروة نشره في تاريخ 6916/3/16 أي قبل شهر و20 يومًا من تاريخ اغتياله.

يشكو كامل مروة من موضوع النفايات ويقول إن التصدي لهذا الموضوع يحتاج الى تدخل الوزراء، حتى بالنسبة الى تعيين أعضاء في فرق تجميع النفايات، وان طلب تفعيل العملية وحماية صحة الناس والمحافظة على بيئة نظيفة أمر يستدعي تدخل البطرك. كل ذلك يبقى دون نتيجة. هذا التعليق نشر قبل 49 سنة وتزيد.

المجموعة الكاملة لخطب ورسائل سعيد تقي الدين التي نشرتها “دار النهار للنشر” عام 1969 تتضمن خطابًا عنونه هذا الكاتب العبقري “خطاب يبحث عن موضوع”، وكان وهو القومي السوري يخاطب منظمة الكتائب اللبنانية – والتسمية له – في حفلتها السنوية آخر تشرين الثاني، والامر الذي يسترعي الانتباه ان رئيس الكتائب الجديد سامي الجميل كان من اوائل المنددين بمعالجة موضوع النفايات.

وجاء في خطاب سعيد تقي الدين المقطع الآتي:

“وأخيرًا أود ان أذيع سرًا عظيمًا. أمس جاءني مهندس الماني يشرح عن مكنة جبارة جديدة اخترعها الالمان. هذه المكنة تتلقف الانقاض التي تملأ شوارع برلين فتطحنها ثم تخرجها حالاً حجارة جديدة جاهزة للبناء. قلت إن الدنيا متهافتة على اكتساب رضى الالمان ولكن الالمان من يؤيدون، اميركا وحلفاءها او روسيا؟ أجاب: الالمان يؤيدون الالمان”.

المانيا اليوم هي البلد الأهم في أوروبا وهي ثاني أكبر بلد مصدر في العالم وتقنياتها في مجالات الكيمياء والادوية والسيارات متفوقة على غالبية الدول، وقد اصبحت بلد الملجأ والامل لملايين السوريين خلال هذه السنة والسنوات المقبلة.

الالمان متعلقون بوطنهم الذي مزقته الحرب العالمية الثانية وبعلمائهم، وقراراتهم بالفعل تقولب مستقبل السوق الاوروبية.

اذا انتقلنا من سرد الانجاز بفعل القرار والمثابرة الى صفة النزاهة يصفعنا في لبنان تصرف وزيرة أسوجية. لقد ابتاعت الوزيرة لوح شوكولا ببطاقة مصرفية أصدرتها الدولة لمصلحتها، وقد اعتبرت انها ارتكبت خطأ كبيرًا فاستقالت بعدما عوضت الدولة ثمن لوح الشوكولا.

هل من ألمان أو أسوجيون بالمعنى المجازي في لبنان؟

وزير البيئة يصر على انه لن يستقيل وسيمارس مهماته بنشاط وضمير، وهو يؤكد انه وضع اكثر من 40 مذكرة تتعلق بالبيئة، وانه أساسًا من المعنيين بشؤون البيئة قبل توليه مسؤولية الوزارة.

الامر الغريب ان مذكراته العديدة لم تكشف ان الازمة لا بد واقعة ما لم يتم تفاديها بمناقصات حقيقية ومتكاملة ومنضبطة تجرى قبل سنة من انقضاء عقد “سوكلين”، وميسرة سكر أبلغ الحكومة مراراً عزوفه عن الاستمرار، لأن أعماله في الخارج توسّعت الى حد بعيد سواء في المغرب أو جنوب افريقيا او ايرلندا. اين هي الرؤية يا حضرة الوزير والامور بما تحمل من مآسٍ تصفع الاعين والضمائر؟ وهل ان الوزير وائل ابو فاعور، الذي كسر جدار اللاعمل اجترح الأعاجيب؟

اعتذارات الوزير محمد المشنوق، يشابهها خطاب الوزير نهاد المشنوق. فوزير الداخلية المسؤول عن حفظ الامن، والذي حقق نجاحات في هذا المضمار، يخاطب مجموعات المنتفضين بلغة خشبية، إذ يقول إن لهم الحق في التظاهر شرط التزام القوانين والنظام، وأي نظام سياسي هو هذا النظام العاجز عن اتخاذ أي قرارات حيوية تخص توافر الكهرباء والمياه، ونقاء البيئة، والمساواة بين اللبنانيين؟

يومًا ما كان نهاد المشنوق يكتب بقلم ليبرالي وها هو يتحول الى اللغة غير المقنعة والتي تستعملها غالبية السياسيين عندما يتغاضون عن مسؤولياتهم ويعتبرون ان التظاهرات تؤدي الى الاضرار بالإنتاج، وهذا حقيقي انما موقت، في حين ان جمود القرار السياسي يؤدي الى افقار اللبنانيين بتحميلهم تكاليف الكهرباء مرارًا، وتكاليف المياه، وارتفاع اكلاف الانتقال بسبب الزحمة، وتوسع رقعة الامراض بسبب تفشي النفايات، وتكاليف تأخر المخابرات وشبكات الانترنت الخ، حتى اصبح السؤال كيف يستطيع اللبنانيون الاستمرار في نظام اللانظام؟

الوزير أكرم شهيب قدم اقتراحات لحل مشكلة النفايات كان من المعروف أصلاً انها ستصب في مسؤولية البلديات.

والوزير نهاد المشنوق بموجب مسؤوليات وزارته هو المسؤول الاول عن التنسيق مع البلديات، ولو أولى هذا الامر بعض انتباهه، لادرك منذ اليوم الاول لتوزيره ان مشكلة النفايات تكمن أولاً في بيروت التي هي مسؤولة عن 65 في المئة من مجمل النفايات التي تتجمع في لبنان، والبلدية كانت حتى اوائل التسعينات هي المسؤولة عن معالجة النفايات، ولديها 1٫4 مليار دولار قابعة في الحسابات المصرفية، ومتوافرة أساسًا من رسوم تفرض على سكان بيروت ومن ذرائع استحقاقها، معالجة النفايات، الحفاظ على الارصفة، الاضاءة، معالجة الحفر، الحراسة، المجاري الخ.

لقد كان في وسع الوزير نهاد المشنوق ومن مسؤوليته تحفيز بلدية بيروت على وضع برنامج وتنفيذ منشآت لمعالجة النفايات، والاستفادة منها في مجال توليد الكهرباء، وتأمين بعض منتجات تستعمل في رصف الطرق، وهو لم يفعل لانه منشغل بالتسييس لا بالشأن العام كما يطلب المواطنون. ويحسن بوزير الداخلية الاستعانة باقتراح ثوري وعالي التقنية باستعمال مادة البلازما Plasma لحل جذري لقضية النفايات قدمه البروفسور ادغار الشويري وصدر في جريدة “النهار” الاربعاء الماضي في باب “منبر”. ومن المعلوم ان البروفسور شويري اللبناني هو من أهم علماء الفيزياء في الولايات المتحدة وهو يشرف على برنامج اطلاق الصواريخ الى الفضاء باستعمال مادة البلازما كما يقود الابحاث حول هذه المادة في جامعة برنستون المرموقة التي عالجت نفاياتها باعتماد هذه التقنية.

ثمة بلديات لم تستعمل معامل لمعالجة النفايات أنجزها الاتحاد الاوروبي، ومثال على ذلك تأخر تشغيل معمل معالجة النفايات في صيدا ثلاث سنوات في انتظار معالجة المكب الذي توافرت امواله انما تأخرت اعماله على الاقل ثلاث سنوات.

معالجة النفايات وتحويل تراكمها الى منافع متعددة عبر تشغيل مصانع مناسبة وبرامج مدروسة أمر تأخر كثيرًا وكل ما يسمعه اللبنانيون الثائرون بالفعل على عجز الدولة كلام لا يشفي غليلاً ولا يجدي نفعًا.