IMLebanon

قتال «الحزب» في سوريا.. وموقعه من الميثاقية والتشكيل الحكومي

ليس سهلاً فصل التحدي المتعلق بتأمين سبل الاقلاع بالعهد، والسير بالتشكيلة الحكومية العتيدة، وتحصيلها الثقة بعد صياغة بيانها، عما يحدث في محيطنا، وتحديداً من فظاعات همجية، على ما هو حاصل في حلب، وضد أهلها في المقام الأول.

أساساً، فصل تحديات الاقلاع والتشكيل عن الحرب التي يشارك فيها «حزب الله» في سوريا، الى جانب النظام الأسدي، هي مسألة ترتبط بأجندة هذا الحزب بالدرجة الاولى.

وفي المقابل، رغم أن ما يفعله الحزب في سوريا، يورّط اللبنانيين ككل بشكل أو بآخر، ليس سياسياً وأمنياً فحسب، ولكن ثقافياً وأخلاقياً، ورغم اختلاف اللبنانيين الآخرين حول أفعال الحزب عموماً، وأفعاله السورية خصوصاً، الا أن هذه الحرب في سوريا، ومشاركة الحزب فيها، قد جذّرت الفارق، بينه وبين كل ما عداه من قوى وفعاليات وحيثيات على الساحة اللبنانية. يعيش الحزب وأناسه في وضع يختلف أكثر فأكثر عن سائر الأوضاع الأهلية اللبنانية الأخرى.

النقاش، لبنانياً، لم يعد حول الحرب السورية، ولا حول مشاركة الحزب فيها. هذا لأن الحزب نجح في فرض هذا الأمر الواقع ولفترة صارت تحتسب الآن بالسنوات، وبعد سنوات طويلة على فرضه واقعه «المسلح» الخارج عن مرجعية الدولة اللبنانية وكنفها، والمشارك في الوقت نفسه في التمثيل النيابي والحصة الوزارية.

ولم تقابل مشاركة الحزب في الحرب السورية حتى بالدرجة المتواضعة من الشجب، دولياً، لأعماله التغلبية الأمنية في الداخل اللبناني، ذلك أن الحكومات الغربية بدت معنية فقط بـ»مفاصلة» الحزب على قتاله ضد اسرائيل، وبدت فاترة الى سلبية تجاه أعماله في الداخل اللبناني، وفاترة الى متفهمة أو مبررة أو داعمة، بالنسبة الى أعماله في سوريا.

يبقى أن حرب الحزب في سوريا، الى جانب النظام، هي نزيف دموي مستمر، يؤدي بجماعة من اللبنانيين الى مقاساة تجربة مختلفة نوعياً عن باقي اللبنانيين الآن، ويؤدي الى مشاركة قسم من اللبنانيين في قمع فئات واسعة من الشعب السوري، في سوريا نفسها، وبالشكل الذي يزيد من نسبة اللجوء العابر باتجاه لبنان. أن لا يكون هناك من بمستطاعه لبنانياً اليوم ايقاف ذلك، لا يعني أنه بالمقدور حفظ الأمر في محجر صحي، والانصراف الى الأعمال الداخلية الجارية كما لو أنّ الحرب غير قائمة في سوريا، أو الحزب غير مشارك فيها، أو النزيف الدموي لقسم من اللبنانيين غير حاصل بسببها، أو الكارثة الانسانية في حلب والجريمة الموصوفة ضد الانسانية غير قائمة ولا مؤثّرة. كل ما هو حاصل يجذر الفارق بين مناخ اسمه «حزب الله» من جهة، وبين اللبنانيين الآخرين، سواء كانوا من طائفة الحزب نفسها، أو من طوائف أخرى، حلفاء له في السياسة، أو أخصام له، حلفاء للنظام السوري، أو أخصام له. ذلك، أن اللبنانيين الآخرين، لا يعيشون – بكل بساطة، ما يعيشه الحزب، وأهله، بسبب الحرب في سوريا.

وهذا الشعور اشتد بعد انتخاب رئيس، وانتهاء الفراغ، لأنه في مرحلة الشغور، كانت الأمور معلّقة على المجهول المرتبط بمآل الحرب في سوريا بشكل أكبر. انتخاب رئيس هو معطى يوحي بحد ذاته بالاستقلال عن المسار المأسوي للحرب في سوريا، ودعوة الرئيس فور انتخابه الى سياسة خارجية مستقلة تعزّز هذا المعطى. الفرحة بانتخاب الرئيس دشنت حالة زمنية مختلفة، مسيحياً على وجه التحديد، عن الزمنية التي يعيشها «حزب الله» وبيئته، والمرتبطة بالحرب في سوريا.

صحيح أن القوى المناوئة سياسياً للحزب، تعترف عملياً بعجزها عن كبح جماحه سورياً، حين تفصل بين مساعيها الداخلية في هذه الآونة، وبين حربه في سوريا، مصادقة بالتالي، على منطلق الحزب، المستغني عن الاجماع الوطني في حمله السلاح، وخوضه الحروب، الا أنّ مشهد «الكرنتينة» الافتراضية هذا، التي يضع فيها اللبنانيون، تدخل «حزب الله» في الحرب السورية، سيعني أيضاً، نوعاً من «اللامبالاة» تجاه عناصر قوة الحزب، وعراضاته، وهي «لامبالاة» تعود فتشعر هذا الحزب، بأن فائض قوته العسكري ينعكس داخلياً، بحالة انخفاض في قوته السياسية. بحالة وضعه بين «مزدوجين»، وبالتي هي أحسن، للتمكّن من تسيير عجلة الدولة والاقتصاد.

وهنا، يصير مدخل الحزب للتعويض «السياسي» هو اكتشافه مرة جديدة، للميثاقية، بالشكل التي يحلو له اكتشافها، من خلال تأويل جديد للدستور واتفاق الطائف، بشكل مناقض لصريح النص، ولأسس القانون الدستوري، وللفهم الأبسط لماهية السلطة الاجرائية، اذ ليس ثمة وزارات ثابتة في طوائف، لأنه لو ثبتت وزارة في طائفة، ثبتت كذلك الامر كل الوزارات الاخرى، بشكل آلي، وما عاد هناك في هذه الحال من داع للتشكيل الحكومي، فكل طائفة تعرف حقيبتها، وتولي عليها من تولي.

من هنا، اذا كان مطلب حركة «أمل» تولي وزارة بعينها هو مطلب يتيحه التفاوض على التشكيل مثل أي مطلب توزيري آخر، فان ربط هذا المطلب بشرطية ميثاقية، أو بنص شفوي ما وراء النص المكتوب، وربط كل ذلك بمرجعية «حزب الله» لقول ما هو ميثاقي، وما ليس بحاجة الى الميثاقية، هو أمر يتناقض مع حيثية التفاوض المشروع والطبيعي.

هذا التفاوض ما زال في أمده الطبيعي لأسابيع اضافية، وحتى نهاية هذا العام. كل تفاوض بين قوى على أحجام هو تفاوض مشروع وطبيعي ان ارتبط بسقف زمني، ولم يرتبط بشرطيات متعالية، و»أحقيات» ومظلوميات مبتدعة كيفما كان.

لكن المشكلة مع الحزب تبقى في مكان آخر، قبل التشكيل أو بعده: تكمن في أنه موجود حالياً في مكان آخر، في أتون الحرب السورية، وليس بوسع أي كان اقناعه بالعدول عنها، أو دفعه للخروج منها، وليس بوسع أي كان مغالطة النفس والادعاء بأن الأمور يمكن أن تجري بشكل سوي في البلد، كما لو أن شيئاً من هذه الحرب وتورط الحزب فيها، غير قائم.