ينطلق الأسبوع المقبل جهاز التفتيش في وزارة العمل، بمؤازرة أجهزة أخرى، لتطبيق خطة «مكافحة» العمالة الأجنبيّة غير الشرعيّة. قبل ذلك، يفترض أن يكون أصحاب العمل قد سجّلوا عمالهم في الضمان الاجتماعي ومؤسسات التأمين. وأن يكون العمال الأجانب، بمن فيهم السوريّون للمرّة الأولى، قد استحصلوا على إجازات عمل وفقاً لفئات أربع يختلط فيها «الطاهي» بـ«الشيف» و«الطبّاخ» بـ«العشّي»… هذا التداخل بين الفئات واللغط الذي يثيره، يفتح الباب أمام «تحايل» أصحاب العمل – قبل العمال – طمعاً بتخفيض الرسوم التي ستتضاعف وفق موازنة الـ2019، ومعها الغرامات على المخالفين
لم تنصّ البنية القانونيّة في لبنان يوماً على عدم تشغيل الأجانب فيه، لكنّها أُلحقت تباعاً بمراسيم وقرارات تحدّد الأعمال التي يمكنهم القيام بها. ليس المطلوب فعلياً حرمان العمال الأجانب (خصوصاً السوريين) من نوع معيّن من المهن، إنما وضع إطار قانوني يشرّع عملهم، وفي الوقت نفسه يؤمّن حمايتهم ولا يكون عدائياً تجاههم. خطة وزارة العمل لـ«مكافحة» العمالة الأجنبية غير الشرعيّة على الأراضي اللبنانية عليها تخطّي عائقين أساسيّين في هذا السياق، هما: تمكين العمّال من دفع الرسوم المتوجّبة عليهم ليكونوا «شرعيّين»، وإلزام أصحاب العمل إعطاءهم الحقوق القانونيّة التي «يعطونها» للبنانيّين. إذ لطالما استسهل هؤلاء تشغيل العمال الأجانب هرباً من قيود قانونيّة، كالاستحصال على إجازات عمل لهم وتسجيلهم في الضمان الاجتماعي ومنحهم الحدّ الأدنى للأجور مقابل عدد محدّد من ساعات العمل. هذان العائقان يمكن «استشرافهما» من خلال الرسوم التي تفرضها الخطة على العمال للتسجيل والحصول على إجازات عمل، والغرامات على أصحاب العمل المخالفين، وأيضاً من خلال المهن المحصورة باللبنانيين والفوارق الكبيرة بين رسوم الفئتين الثانية والثالثة. وهذا ما يفتح الباب أمام إمكانية «التحايل» للتسجيل في الفئة الثالثة مثلاً والعمل في الثانية تخفيفاً من كلفة الرسوم، وتهرباً من حصرية بعض الأعمال للبنانيّين. «العزم» الذي تُبديه وزارة العمل على تطبيق خطّتها، قد لا يقترن بالواقع لأسباب متعلّقة بالقدرة الاستيعابيّة لحملات التفتيش وشموليتها لمراكز العمل كافة وفي كل المناطق.
ما هي الفئات؟
يبدي أصحاب العمل، ومعهم العمال، حيرةً تبدو «مشروعة» حيال معرفة الفئات التي تندرج أعمالهم ضمنها، وكيف سيسجّلون عمالهم ويستحصلون لهم على إجازات عمل، قبل انتهاء المهلة الممنوحة من وزارة العمل خلال أسبوع (9 تموز الجاري).
وفقاً للقرارات الملحقة بخطة الوزارة، تنقسم الفئات وفق نوع العمل إلى أربع، تتفاوت من حيث الرسوم ونوع العمل لكنّها تعود وتلتقي بتصنيفات لا هامش واضحاً بينها.
الفئة الأولى مثلاً، تحدّد إذا كان الراتب الشهري يتجاوز الحد الأدنى للأجر (675 ألف ليرة) بثلاثة أضعاف (أي مليونين و 26 ألف ليرة)، وتضمّ إلى أصحاب العمل وصاحب العمل الشريك والإداريّين… بعض الأعمال التي قد يشغلها أجانب ومنها على سبيل المثال: طبّاخ، طاه، شيف، مساعد عشي، مساعد شيف، بائع، مزينة، ممرض، عاملة تزيين أظافر، مسؤول ورشة دهان.
الاختلاط في نوع العمل، وشغله «تاريخياً» من غير اللبنانيين، ينسحب على الفئة الثانية، (الراتب الشهري يتجاوز ضعفي الحد الأدنى للأجر، أي مليون و351 ألف ليرة، ولغاية ثلاثة أضعاف أي مليونين و25 ألفاً). هذه الفئة تضمّ مثلاً، مساعد خياط، طاهٍ، مساعدة مزيّن، مدبرة منزل، مساعد/ة مريض، عامل فني حدادة، عامل دهان موبيليا، مساعد طبّاخ، عامل حلويات، عامل خياطة، نادل/ة، عامل غسيل سجّاد، عامل تلحيم، نجّار، عامل مطبخ، عامل صيانة، ميكانيكي، عامل تلبيس صخر، أمين مستودع، عاملة توضيب، عامل استقبال وخدمة زبائن في المطعم/الشركة، بائع/ة، مساعد ممرض، دهّان موبيليا، عامل استقبال، مساعد معلّم حلويات شاميّة، معلّم معجنات، عامل نجّار موبيليا، عامل دهان، سائق فان، مساعد/ة طاه.
أما الفئة الثالثة التي يشغلها عادة معظم العمال الأجانب فيتراوح الراتب الشهري فيها بين الحدّ الأدنى للأجر ولغاية ضعفيه (أي مليون و350 ألف ليرة)، وتشمل على سبيل المثال: جنيناتي، منجّد، مورّق، حداد، حاجب، مساعد بائع، طرّاش، عامل/ة هاتف، ناطور، وكلّ عامل: صناعي، رخام، تمديد وتركيب خطوط نقل توتر عالي، توزيع مازوت، نجار باطون، خرده، طرش، مقلع، مصارف صحيّة، تفريغ وتحميل، تركيب سقالات، تنظيف وفرز نفايات، تنظيف وغسيل سجاد، تزفيت، توصيل، صالة، طبّاخ، مساعد مريض، تنظيفات، بناء، غسيل وتشحيم، في الخدمة المنزلية، زراعي، كومي، صحيّة، باطون، حمّال، بلاط، تمديد وتركيب، محطة محروقات، تنظيفات، فرن، مقهى، كسارة، مسلخ، غسيل، نقل، كروم، ورشة، مزرعة، حفريات… وسواهم من العمال.
وتشمل الفئة الرابعة العاملات في الخدمة المنزلية غير الخاضعات لقانون العمل، اللواتي يقلّ أجرهن الشهري عن الحد الأدنى للأجور.
الأعمال المحصورة باللبنانيين
الأعمال المحصورة باللبنانيّين دون سواهم، سواء أجراء أو أصحاب عمل، يحدّدها «قرار المهن» الذي يحقّ لوزير العمل (كميل أبو سليمان) استثناء بعض الأجانب منه، في حال توافر فيهم أحد الشروط الواردة في المادة 8 من المرسوم 17561 /1964. الاستثناءات (يُستثنى منها الفلسطينيون المولودون في لبنان) تشمل: اختصاصي أو خبير أو فني لا يمكن تأمين عمله بواسطة لبناني (على أن يثبت ذلك بواسطة إفادة من المؤسسة الوطنيّة للاستخدام، وبعد ان يقدّم طالِب الأجنبي الوثائق التي تثبت أنه حاول إيجاد لبناني خلال 3 اشهر ولم يجد)، كل مدير أو ممثل لشركة أجنبية مسجلة في لبنان، كلّ مقيم في لبنان منذ الولادة، من هو من أصل لبناني أو مولود من أم لبنانية، وفي حال كانت الدولة التي ينتمي إليها الأجنبي تسمح للبنانيين بممارسة العمل أو المهنة التي يطلب الأجنبي ممارستها في لبنان.
تقسم الخطة العمال إلى أربع فئات تتفاوت من حيث الرسوم ولا تقسيمات واضحة بينها
قرار الأعمال المحصورة باللبنانيين يضمّ مهناً قد تثير اللغط بدورها. إذ تضمّ فئة الأجراء أعمالاً جرت العادة على تسليمها تحت إدارة لبناني إلى غير اللبنانيين، ومنها: بائع، أمين مستودع، خياط، الرتي باستثناء عامل رتي السجاد، أعمال الدهان، التمديدات الكهربائية، تركيب الزجاج، الحاجب، الحارس، السائق، النادل، الحلاق، طاهي مأكولات شرقيّة، المهن الفنيّة في قطاع البناء ومشتقاته كالتبليط والتوريق وتركيب الجفصين والألومينيوم والحديد والخشب والديكور وسواه، أعمال الحدادة والتنجيد، التمريض، وسائر المهن التي يتوافر لبنانيون لإشغالها. وهنا يبدو مفهوم «توافر» اللبنانيين واسعاً. أما أصحاب العمل حصراً من اللبنانيين، فهُم أصحاب مهَن: الحلاقة، تصليح السيارات بكافة أشكاله، المهن الحرة، وسائر المهن المنظّمة بقانون يحظر ممارستها من غير اللبنانيين، أو التي تشكّل ممارستها مزاحمة أو ضرراً لأصحاب العمل اللبنانيين.
زيادات الرسوم
الرسوم التي تنوي وزارة العمل استيفاءها سترتفع وفقاً للموازنة الجديدة. وتشمل جميع العمال الأجانب، بمن فيهم السوريون الذين كانوا يكتفون بإبراز إقامتهم للعمل في لبنان. مع الإشارة إلى أنّ العامل السوري يدفع ما قيمته 25% فقط من الرسم المتوجّب عليه بموجب اتفاقية بين لبنان وسوريا. احتساب ارتفاع الرسوم وفقاً للفئات وبحسب الموازنة يبيّن زيادة كبيرة قد لا يكون باستطاعة جميع العمال دفعها، لذا قد يعمد جزء كبير منهم إلى «التحايل» على التصنيفات خصوصاً أنها «مبهمة» أساساً. الأرقام اللاحقة تتضمّن رسم الموافقة المسبقة (يرتفع رسمها أيضاً في الموازنة) والتي يدفعها العامل لمرة واحدة فقط لدى استحصاله على إجازة عمل لأول مرة، وهي تعني العمال السوريين بشكل خاص كونهم لا يستحصلون على إجازات عمل (1733 عاملاً سورياً حصلوا على إجازة قبل إقرار خطة الوزارة مطلع حزيران الماضي). إذ ترتفع الرسوم في الفئة الرابعة الأقل دخلاً من 276 ألف ليرة (من ضمنها الموافقة المسبقة التي تمنح للعامل للمرة الأولى 36 ألف ليرة) إلى 350 ألفاً. وفي الفئة الثالثة من 600 ألف ليرة (ضمنها الموافقة المسبقة بقيمة 120 ألف ليرة) إلى مليون و300 ألف بارتفاع نحو 217%، وفي الفئة الثانية من مليون و560 ألفاً إلى 3 ملايين ليرة بارتفاع نحو 192%. مقارنة الرسوم وفق الموازنة، بين الفئتين الثانية والثالثة يبيّن أن الفارق بينهما انخفض ليصبح بنحو 231% (كان قبل الموازنة 260%). زيادة الرسوم بنحو ضعفين سيجعل العمال وأصحاب العمل يسعون إلى التسجيل كعمال فئة ثالثة والعمل في الواقع ضمن الفئة الثانية، بهدف تخفيض الكلفة عليهم. لأن الفارق في كلفة الرسوم على العامل إذا احتسبناه شهرياً سيقارب الـ 94 دولاراً، وهي كلفة مرتفعة كونها تعادل 21% من قيمة الحد الأدنى للأجور.
الغرامات تتضاعف
غرامة مخالفة أحكام قانون العمل والمراسيم والقرارات المتخذة لتطبيقه، سترتفع وفقاً لموازنة 2019 (يُعمل بها بعد إقرارها في مجلس النواب) فيصبح الحد الأدنى للغرامة 750 ألفاً (بدلاً من 250 ألفاً)، وحدها الأقصى 5 ملايين ليرة (بدلاً من مليونين و500 ألف). الغرامات تحال «إلى المحاكم ذات الاختصاص، ويعاقب مرتكبها عن كل مخالفة لوحدها بالغرامة المذكورة وبالحبس من شهر إلى 3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين.
أما «الكسور» عن السنوات السابقة، التي لم يدفعها العمال للحصول على إجازات عمل سنويّة وهم غالباً من السوريّين فسيتمّ خفضها ليدفع العامل السوري دون غيره الكسور عن السنتين السابقتين فقط. وسيكون على السوري الذي يتسجّل للمرة الأولى على أنه عامل فئة ثالثة مثلاً دفع رسم إجازة مسبقة وإجازة عمل سنوية، أي نحو 300 ألف ليرة بعد إقرار الموازنة (قيمة 25% مما يدفعه العمال الآخرون)، كما يتعيّن عليه الحصول على إقامة سنويّة من الأمن العام (ترتفع قيمتها أيضاً مع إقرار الموازنة).
أما ما يتعلق برسوم التأخير عن إنجاز الإقامة السنوية، وفقاً للموقع الإلكتروني للأمن العام اللبناني، فإنه «لا تقبل طلبات إعفاء من رسوم التأخير عن إنجاز الإقامة السنوية لأعذار غير جدية (سقط سهواً، عدم إنجاز إجازة عمل، التأخير في إنجاز اجازة العمل…)، باستثناء الطلبات المتعلّقة أو العائدة لحاملي إقامات مجاملة لأولاد لبناني/ة، زوجة اللبناني وزوج اللبنانية».