ليس في الحرب على الارهاب معارك عفوية أو ارتجالية مرتبطة فقط بخطر الارهابيين. لا في سوريا والعراق ولبنان ومصر وليبيا وسواها. ولا في حسابات أميركا وروسيا وايران وتركيا والتحالفات الدولية ضد الارهاب والقوى المحلية الحليفة لهذه الدولة أو تلك. فالوجه الآخر لتحرير جرود عرسال من الارهابيين في هذا الوقت هو انتهاء وظيفة النصرة هناك، بحيث لم تعد قوى عدة في حاجة الى توظيف احتلال النصرة للأرض. واذا كان الجدل يدور حاليا على توظيف الانتصار عليها، فان وظيفتها في إدلب مستمرة بما سمح لها باخراج خصومها وضمان السيطرة شبه الكاملة هناك.
والتركيز على معركة قريبة يخوضها الجيش اللبناني لتحرير جرود رأس بعلبك والقاع من داعش يرافق التركيز الأميركي والروسي والأوروبي على اعطاء الأولوية المطلقة لضرب داعش في سوريا والعراق ومصر وليبيا وسواها. وهو ما يؤكد ان توظيف داعش لم يعد يخدم أية قوة خلافا للسنوات الماضية.
ذلك ان العقوبات الأخيرة التي فرضها الكونغرس الأميركي على روسيا وايران وكوريا الشمالية والأزمة الديبلوماسية بين واشنطن وموسكو لم تمنع استمرار التفاهم العسكري والأمني على ترتيبات في سوريا والعراق. فليس أمرا قليل الدلالات ان يقول مستشار الأمن القومي الجنرال ماكماستر ان سبب وجودنا في سوريا هو فقط تدمير داعش. ولا خارج التفاهم الأميركي – الروسي ان يوقف الرئيس دونالد ترامب برنامج دعم معارضين سوريين مشترطا استمرار الدعم لمن يحارب داعش فقط، وان يقول مسؤول كبير في الادارة نحن لا نخوض حربا ضد النظام، وما نحتاج اليه هو التركيز على داعش. فضلا عن ان خطاب ادارة ترامب العنيف ضد ايران أكثر دولة راعية للارهاب لم يمنع مشاركة واشنطن وطهران في حرب واحدة ضد داعش في العراق.
لكن اكتمال النصر الفعلي على داعش والنصرة وبقية التنظيمات الارهابية يتطلب انهاء الحروب والصراعات في سوريا والعراق وليبيا واليمن. ولا نهاية للحروب والصراعات من دون تسويات سياسية. وأخطر ما يحدث هو ان تتصرّف أميركا وروسيا والقوى الاقليمية كأن القضاء على دولة الخلافة الداعشية ليس مرتبطا بمعالجة الظروف والأوضاع والأسباب التي قادت الى ظهور داعش. فالعودة الى ممارسة الأنظمة للعنف السياسي، بعد توقف الحرب من دون تسوية، هي وصفة لاعادة صنع داعش أخطر وأكثر وحشيّة. والرهان على حجب قضايا المجتمعات والأوطان بالحرب على الارهاب هو رهان على أوهام تنفجر فيها قنابل حروب العصابات وقنابل الفقر والظلم والتسلّط على المجتمع.