Site icon IMLebanon

«القتال» بالواسطة

النفي الذي صدر عن محسن رضائي بالأمس لنبأ إرسال إيران الآلاف من مقاتليها الى سوريا يبدو أقرب الى التصديق من عكسه.. ويتناسب مع السياسة الإيرانية المتبعة في «العمليات الخارجية».

رضائي قائد سابق لـِ»الحرس الثوري» وعضو عامل حالياً في «مجلس صيانة الدستور» الذي يرأسه الشيخ هاشمي رفسنجاني.. ومعروف عنه أنه في منطقة وسط بين «الإصلاحيين» و»المحافظين»، ولا يمكن أي فئة من الفئتين أن تحسبه عليها، ولذلك فإن كلامه فيه شيء من الصدقية رغم أن نفي إرسال مقاتلين إيرانيين بـ»الآلاف» الى سوريا يتناقض مع أجواء التعبئة الهجومية التي بدأت طهران في إشاعتها غداة الاندحارات المتتالية لبقايا سلطة بشار الأسد في الشمال السوري.

في العموم والإجمال، أثبتت السنوات الماضية، من لبنان بداية الى غزة ثم العراق ثم سوريا.. ثم اليمن، أن إيران تعتمد في سياستها الخارجية على مبدأين ماسيّين. الأول هو «القتال» خارج نطاق حدودها الجغرافية. والثاني هو «القتال» بالواسطة من دون التورط المباشر! وشاهد اللبنانيون بأم العين، قبل الغزّاويين والسوريين والعراقيين واليمنيين، كيف تفرجت إيران على حرب تموز العام 2006 بين إسرائيل و»حزب الله» من بعيد.. مثلما شاهد أهل غزة، على دفعات، كيف بقي الضجيج الإيراني إزاء الاعتداءات الإسرائيلية، أقوى بما لا يُقاس من الفعل الميداني. وكيف بقي التوعّد النزالي الإمحائي في حق إسرائيل محصوراً في حدود المسّ بالكيان الإيراني ذاته، أي مشروطاً بالاعتداء المباشر عليها. أما دون ذلك فيمكن تغطيته بالمال والسلاح والأمن في تضاريسه العتمية عدا الإطناب في الكلام والشعارات والفتاوى.

ولمس سوريو بشار الأسد ذلك منذ بدء الثورة، مثلما سبق وعايش عراقيو المالكي وبعده العبادي، ذلك النمط من الأداء الإيراني، المفتوح إعلامياً وسياسياً وتعبوياً وتذخيرياً وتمويلياً، والمغلق والخفر لجهة التدخل الحربي الميداني المباشر.. وصيغة «المستشارين» تكمل الرواية ولا تنفيها حتى لو كان عدد هؤلاء بالمئات.

ومثال اليمن في هذه الأيام جزء من هذه السيرة: كلام إيران عن اليمن كبير وفعلي لكنه لا يتناسق مع الفعل الميداني.. وعلى غلاوة الاستثمارات التي ضخّتها في الحوثيين وحليفهم المخلوع علي عبدالله صالح، وضراوة الضربة التي تلقاها مشروعهم الإنقلابي المشترك، فإن اليمن لن يكون في نظر إيران أغلى عندها من «حزب الله» في لبنان، ومع ذلك فإن الأداء واحد في المكانين مثلما هو واحد في العراق وسوريا.

«تقاتل» إيران في اليمن بأهل اليمن، وفي العراق بأهل العراق، وفي سوريا بالمرتزقة وسوريي السلطة، وفي لبنان بـ»حزب الله».. وطالما أن الحزب يقوم مقامها في سوريا ويزايد عليها في ذلك، فإنها بالتأكيد تؤثر «الحفاظ على دماء أبنائها» ومحاولة تحقيق أهدافها وغاياتها بدماء حلفائها وصنّاعها.

لذلك ولغيره، يتناسق كلام محسن رضائي مع الواقع أكثر من خبريات الحشد، وتوزيع روايات إرسال «الآلاف» من المقاتلين، وصور الجنرال قاسم سليماني، تارة في العراق وطوراً في سوريا.