تختلف آراء المفكرين حول الفساد. وبينما تعتبره المؤلفات الأكاديمية عقبة امام النمو والتنمية، ترى مؤلفات اخرى فيه عدم كفاءة في تقديم الخدمات، ويرى آخرون انه يحدّ فقط من النمو الاقتصادي.
تختلف الآراء حول مكافحة الفساد، ويعتقد بعضهم ان محاربة الفساد قد تكون افضل عندما تعمل من اسفل الى اعلى لتمكين المواطنين من الاطلاع على حقوق وواجبات ومسؤوليات المواطنين العموميين والكشف عن الوثائق والاجراءات الحكومية لاتاحة المراقبة العامة.
قد تكون هذه الطريقة هي الانجح في مكافحة الفساد، وخير مثال على ذلك اوغندا في التسعينات والتي كانت تعاني من مشكلة فساد شديدة، اذ انه من أصل كل ١٠٠ دولار تُصرف هناك ٨٠ منها يذهب هدرا وفي غير الوجهة المخصصة لها. لذلك اعتمدت الدولة اسلوبًا جديدًا اذ ابلغت وسائل الاعلام المحلية ووضعت ملصقات عن تفاصيل المبالغ المفرج عنها من اجل الاعانة مما ادى هذه المرة الى بلوغ ٩٠ بالمائة من هذه الاموال الى وجهتها الحقيقية.
وهذه الشفافية في التعاطي لم تأت من توقيع اتفاقات مثل Convention against conrruption ولا من اتفاقية منظمة التجارة العالمية Agreement on government procurement – بل من تمكين المواطنين من الاطلاع على حقوق وواجبات ومسؤوليات الموظفين العموميين والكشف عن الوثائق والاجراءات الحكومية لاتاحة المراقبة العامة.
ومحاربة الفساد ليست حكرًا على الدول الصناعية. كذلك فان الوصفات التي قد تعمل في الدول المتقدمة لا تطبق بالضرورة على الدول النامية. وما زالت العديد من الدول ومن بينها لبنان تترنح بسببه، ويشكل الفساد فيها جزءا لا يتجزء من الحياة اليومية.
ومع الأسف، يشكل الفساد جزءا من ثقافة الشعب الذي يرى فيه السبيل الوحيد للوصول الى الخدمة العامة او ممارسة حقه، مثل الحصول على معلومة مما جعلها ممارسة عادية في هذه البلدان. مع العلم ان الادارة العامة في البلدان النامية كثيرًا ما تشكو من البيروقراطية واللافعالية وكثير من التعقيد مقترنة بعدم كفاية الضوابط والقوانين التي تحمي المواطن وتشرّع للموظف التمادي في الاخلال بتقديم الخدمات.
لذلك قد يكون التحليل المؤسسي غير كافٍ، والتحليل السياسي والاقتصادي مهم ايضًا، اذ انه وحسب دراسة اجراها مركز التنمية التابع لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي وبرنامج الامم المتحدة الانمائي يرتبط الفساد ارتباطًا وثيقًا في نوع الحكومة المعنية (اجريت الدراسة على خمس دول هم بنين و بوليڤيا والمغرب وباكستان والفيليبين).
ويمكن ان تكون العلاقة بين السلطة السياسية والاقتصادية مباشرة وهنالك نزعة التوارث كما في المغرب ولبنان حيث الوصول الى السلطة السياسية يضمن الوصول الى مزايا اقتصادية والنظام القائم على المحسوبية وعملية توزيع المناصب السياسية والادارية- ويغذي هذه الظاهرة فعليًا تدني الاجور والخلل في التوازن بين العرض والطلب في ما يتعلق بالمنتجات والخدمات العامة الامر الذي يزيد من فرص الفساد. وثمة سبب اخر لا بد من ذكره هو جهل المواطنين لحقوقهم ومنعهم من المشاركة في الحياة السياسية، ومساءلة النواب او من يمثلهم في اقلام الاقتراع ومحاسبتهم كذلك.
وهنا يبرز دور الدولة وكيفية تبسيط تدخلها في النشاط الاقتصادي والذي يساعد ايضًا، وعلى سبيل المثال في السنغال، حيث تم استخدام اختبارات الاقتصاد القياسي بتخفيض الضرائب على الواردات وتبسيط هيكلها، وتقليص صلاحيات موظفي الجمارك الامر الذي ساعد على الحد من مستوى التزوير بنسبة ٨٥ بالمائة بين عامي ١٩٩٠ و ١٩٩٥.
وقد لا يكون تحديد اتجاه الاصلاحات سوى جزء من المهمة، وتكمن الصعوبة الرئيسية في تنفيذها، وهذا يتطلب استراتيجية عمل تواجهها عقبات منها اقتصادي ومنها السياسي. تكمُن العقبة الاقتصادية في عدم تمكن الدول النامية بامكاناتها من محاربة الفساد والعمل كما فعلت هونغ كونغ على سبيل المثال وانشاء وكالة التحقيق مع عدد كبير من الموظفين وامكانات مالية كبيرة. اما الصيغة السياسية فتكمن في كون عدد كبير من السياسيين مدينين في حياتهم المهنية للفساد ولن يتخذوا اي موقف ضده خشية افساد مستقبلهم الوظيفي او الوضع السياسي عمومًا.
وفي المطلق، هناك شيء مؤكد وهو ان مشكلة الفساد في البلدان النامية لا يمكن حلها عن طريق تطبيق هياكل مكافحة الفساد في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي اذ انها مجرد عنصر فني اكثر تعقيدًا بكثير من عملية التغيير ويعتمد الحد من الفساد على التنمية الاقتصادية. وعلى كل بلد من البلدان وضع استراتيجيتها الخاصة، الامر الذي سيؤدي حتمًا الى التنمية والحكم الرشيد.
لذلك، وفي المطلق، قد لا تكون الخطوة التي اعتمدها العهد كافية بانشائه وزارة لمكافحة الفساد بل يجب تدعيمها واعطائها سلطات كافية تمكنها من اخذ دورها الجدي والعمل في هذا الاتجاه.
واذا كان مؤتمر سيدر واعدا، يبقى غير فعال اذا لم نحاول استئصال هذه الآفة التي تدمر الاقتصاد وتهزّ مداميكه.