لم تحمل كلمة الأمين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصر الله، في يوم القدس العالمي (يوم الجمعة الماضي) جديداً سوى أنه استعان، او بنى على الاعتداء الارهابي الذي تعرضت له بلدة القاع البقاعية (البلدة المسيحية التي لم تقاتل في سوريا وليست بيئة حاضنة للمقاومة)، رؤية عملانية جديدة من بندين أساسيين:
– الأول: »ان لبنان بحاجة الى استراتيجية رسمية لمحاربة الارهاب«
– الثاني: »تأكيد وقوف »حزب الله« أمام الجيش اللبناني، او الى جانبه، حسبما تريد القيادة العسكرية..؟!
لم تمضِ على هذه »الكلمة – الرسالة«، والجيش اللبناني يواصل تسيير دورياته في القاع، ويعزز حواجزه المتنقلة، وينفذ قرار الاستنفار العام، تحسباً لأية عمليات إرهابية محتملة، حتى نقل تلفزيون »المنار« بالصوت والصورة، عن »الاعلام الحربي« لـ»حزب الله«، مقتل مسؤول العمليات العسكرية لمنطقة جرود القاع في »داعش« ابو خطاب مع عدد من مرافقيه في عملية – وصفت بـ»النوعية والدقيقة« – نفذها عناصر »حزب الله«، حيث استهدفوا بصاروخ موجه، ومن مسافة قريبة مركزاً قيادياً في الزويتينة في جرود القاع – راس بعلبك، كان يتواجد فيه »ابو خطاب« ومرافقوه..
لم يصدر عن القيادة العسكرية أي بيان.. وعلى ما يظهر، فإن التنسيق بين الجيش المرابط في المنطقة ومسلحي حزب الله، لا دلائل على وجوده، كما لا دلائل على عدم وجوده.. وذلك على الرغم من ان الجيش عزز من حضوره في المنطقة، عسكرياً وأميناً، واتخذ جميع الترتيبات الاحترازية، من جرود عرسال الى مشاريع القاع، مروراً براس بعلبك.. وهو يدرك ان المواجهة مع المسلحين باتت أمراً عادياً.. وقد ضاقت الخيارات أمامهم وبات الجانب اللبناني حاجة ماسة، لجملة أسباب وأهداف، باتت متوافرة في كامل تفاصيلها لدى الأجهزة الأمنية واستخبارات الجيش والأمن العام..
لكن، اللافت، وعلى ما تظهر التطورات، فإن أفرقاء عديدين في الداخل اللبناني، باتوا على قناعة بأن لهم مصلحة في اثارة هذه المسألة على خلفية ما يطبق على »حزب الله« يجب ان يطبق على سائر الآخرين.. وما يطبق على الآخرين يجب ان يطبق على »حزب الله« وتحديداً لجهة »السلاح غير الشرعي« او »الامن الذاتي«..
المسألة قد تكون مجرد فرصة لتسجيل مواقف او لأهداف أخرى سعياً وراء »الشعبوية«، حيث رأي البعض ان الفرصة مؤاتية لاعادة ضخ الحياة في شرايين ميليشيات الحرب الأهلية في لبنان.. وتأسيساً على هذه الخلفية ذهب رئيس حزب »الكتائب« سامي الجميل مشدداً – في حفل توزيع بطاقات الانتساب لحزب الكتائب على عدد من »المنتسبين الجدد«، – على ان »رفض مجلس الأمن المركزي (اللبناني) منطق الأمن الذاتي، بعد اعتداءات القاع الارهابية.. إما ان يطبق بالتساوي على كل اللبنانيين، او لا يطبق على أحد..« متسائلاً (وعلى طريقته) كيف يسمح لطرف بالدفاع عن نفسه فيما يترك آخرون ليموتوا..«؟!.. ليخلص الى القول: »إما ان يحمل الجميع السلاح او أن يتركه الجميع..«؟!
أيا ما آلت اليه التطورات، وبصرف النظر عن سرعة استجابة المعنيين لدعوة نصر الله الى »استراتيجية رسمية لمحاربة الارهاب..« فإن الدعوة الى »السلاح مقابل السلاح« لن تلقى قبولاً من الغالبية الساحقة.. و»الكتائب« يعرف ان المسألة ليست على هذا القدر من السهولة ليضع الجميع أمام معادلة لن تقلع، ولن تبصر النور، مع وجود المؤسسات العسكرية الرسمية والأمنية.. كما يعرف ان »مشكلة مشاكل الافرقاء المتخاصمين مع الحزب هي السلاح غير الشرعي »على ما يقولون.. لكن لا الحزب أجرى قراءة نقدية.. ولا الآخرين تراجعوا.. خصوصاً وأن هؤلاء »الآخرين« لا يتركون مناسبة إلا ويذكرون فيها بأنهم »أول من طالب باستراتيجية وطنية.. وهي استراتيجية لا تشمل »داعش« فقط، الذي يشكل خطراً على العالم.. إنما هناك داء في لبنان يحتاج الى خطة وطنية تتضمن استيعاب حزب الله، والانتهاء من السلاح خارج الدولة..« على ما قال النائب مروان حماده..
في قناعة غير مرجع سياسي وعسكري وأمني، ان الدعوة المبطنة لنزع سلاح »حزب الله« في هذه المرحلة، لن تكون أكثر من تمنيات لدى البعض، وهذا البعض، بات يعرف ان قناعة قيادة الحزب تقوم على معادلة »السلاح يساوي الوجود«.. وفتح باب الدعوة الى »الاستراتيجية الوطنية الرسمية لمحاربة الارهاب« على ما دعا الى ذلك »حزب الله«، موقوف على جملة مسائل من بينها وجود رئيس للجمهورية، وحكومة وطنية فاعلة ورؤية حزبية – سياسية – وطنية شاملة تخرج من شرنقة التوزعات الطائفية والمذهبية والمناطقية الضيقة، وهي تحتاج أولاً وقبل كل شيء الى تحديد من هم الأعداء، ومن هم الأصدقاء.. وهذه مسألة غير متوفرة في الواقع اللبناني..
من الخطأ ان يتصرف الحزب على جبهة الحدود اللبنانية بمعزل عن المؤسسات العسكرية والأمنية، التي تحظى بغطاء سياسي خارجي وداخلي ودعم (نسبي).. ولا يستطيع الحزب ان يتحمل مخاطر لعبة »فاتح على حسابه« إلا اذا كان هناك نوع من التنسيق وتبادل المعلومات غير المعلن من قبل الجانبين.. خصوصاً وأن »حرب العصابات« لن تكون سهلة أمام الجيوش النظامية، والتي تملك من القدرات ما يفوق قدرات الجيش اللبناني بمرات.. لاسيما وان طبيعة الحدود، وطولها، يحتاجان الى أضعاف أضعاف القوة العسكرية النظامية، وهذا أمر غير متوفر..«.
في هذا المناخ، وبكل تفاصيله السوداء، تبقى مواجهة الارهاب خارج الوطني أقل كلفة.. وأوفر حظاً.. والمنطقة عموماً تعيش حالة تأزم تاريخية، لم يعد لبنان بعيداً عن تداعياتها، ما يستدعي وضع »الخصومات التاريخية« جانبا، وتعزيز بناء استراتيجية عسكرية – وطنية بقيادة المؤسسة العسكرية، التي تبقى الضمان الأرقى لصيانة وحدة لبنان وحمايته من كل الاطماع، إسرائيلية كانت او إرهابية او غيرها؟!