داعش الذي تبنى تفجير الكنيستين في طنطا والاسكندرية ليس التنظيم الوحيد الذي يمارس الارهاب. ومحنة مصر مع الارهاب هي محنة العرب والمسلمين بشكل خاص والعالم بشكل عام. وهي مثلثة من قبل ظهور داعش: ارهاب ضد السلطة في العصر الملكي والعصر الجمهوري على أيدي ما سمّي الجهاز الخاص أو التنظيم الحديدي التابع للإخوان المسلمين كما على أيدي التنظيمات المتطرفة التي خرجت من عباءة الإخوان. إرهاب ضد الأقباط، بحيث بدا التفجير الأخير يوم الشعانين حلقة في سلسلة طويلة ضربت الكنيسة البطرسية في القاهرة، وأحرقت ٢٧ كنيسة بعد إسقاط حكم الإخوان وفض اعتصامهم في رابعة العدوية، وكان موقع التفجير في رأس السنة عام ٢٠١١ كنيسة القديسين في الاسكندرية. وارهاب ضد المجتمع على أيدي حركات متشددة على طريقة التكفير والهجرة والجماعة الاسلامية والجماعة المقاتلة والفرقة الناجية وكل من حمل ايديولوجيا تبرّر وتشرّع القتل باسم الله وتراه الفريضة الغائبة.
وليس أهم من محاربة الارهاب الداعشي سوى مواجهة الفقه الداعشي. الأولى تعلن الدول جميعا انها لها وفي حرب على الارهاب، وتقيم تحالفات دولية، وتتبادل التهم حول صنع داعش وبقية التنظيمات الارهابية.
والثانية تفرض البحث عن جواب كامل وحقيقي عن سؤال يتكرر طرحه بعد كل عملية ارهابية: ما الذي يدفع شبانا الى تفجير أنفسهم لقتل أناس لا يعرفونهم؟ هل يتم غسل الأدمغة بأمر واحد هو الوعد بالجنّة أم أيضا بأمور أخرى تتجاوز التكفير الى التأويل الخطير للفقه بما يجعل القتل والذبح واجبا يقرّبنا من الله؟
الواقع ان ما نسمعه هو إما نصف أو ربع جواب وإما جواب مزيّف. فلا تنظيمات ارهابية من دون دعم وتمويل وتسليح، حتى الذئاب المنفردة التي تفجّر نفسها أو تطلق الرصاص على التجمعات أو تدهس المارة بالسيارات كسلاح، فانها تحتاج الى مساعدات لوجستية. ولا ارهاب من دون ايديولوجيا تجذب المتطوعين. ولا شيء ينجح في محاربة ايديولوجيا سوى ايديولوجيا عقلانية تخوض معارك جدّية لتركيز صحيح الدين.
فضلا عن ان الارهاب ليس غاية في حدّ ذاته بل جزء من استراتيجية حرب واسعة كما يقول البروفسور في جامعة جورجتاون دانيال بايمان مؤلف كتاب القاعدة، الدولة الاسلامية، والحركة الجهادية الكونية. وهزيمته تحتاج بالطبع الى حرب واسعة على الجبهات العسكرية والأمنية والسياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية والدينية.
وهذا هو التحدّي، لا فقط في مصر والعالمين العربي والاسلامي بل أيضا في العالم كله. لكن المعارك ليست جدية على كل الجبهات بل على بعضها. وصراع الأولويات بين الدول لا يزال يحول دون القضاء على داعش، على افتراض ان وظيفته انتهت.