لم يعترف أحد بحقيقة الأزمة التي تواجهها الحكومة في ملف التعيينات، فالجميع ينادي بضرورة إنهاء الملف سريعا واعتماد الكفاءة، ولكن الحقيقة والواقع يختلفان عن التصريحات، اذ يشكل ملف التعيينات قنبلة موقوتة تنتظر فكّها، ولا شك في أن عملية فكّ القنابل تحتاج الى العناية والرعاية والعمل الدقيق، لذلك تستبعد مصادر وزارية مطلعة أن يُطرح الملف غدا على طاولة الحكومة التي تُعقد بعد غياب طويل في السراي الحكومي.
تتعدد الاختلافات حول ملف التعيينات، بعضها يتعلق بتوقيت طرحه، هل يتم على دفعة واحدة في جلسة حكومية واحدة تُعقد في بعبدا، أم يقرّ على دفعات وفي أكثر من جلسة حكومية، أم هل يُطرح ضمن مجموعة «سلال» تُقسّم حول أهمية التعيين والمراكز، أم تعتبر كل التعيينات بنفس الفئات متساوية الاهمية؟ أم هل تُقسّم التعيينات حسب الأولوية فيتم بأسرع وقت ممكن طرح التعيين في بعض المراكز الشاغرة الملحة في وزارة العدل وعلى رأسها مدعي عام التمييز، ورئيس مجلس شورى الدولة، ورئيس هيئة التشريع والقضايا، والمدير العام لوزارة العدل، ونواب حاكم مصرف لبنان الأربعاء، علما أن هذا الملف بالاضافة الى ملف طيران الشرق الاوسط لن يكونا بيد الحكومة حصرا نظرا لتعدد الجهات المحلية والدولية التي تهتم بهما وبالشخصيات التي تتولى فيهما المسؤولية.
تؤكد المصادر الوزارية أن هذه الأسئلة ليست محض خيال بل هي أسئلة واقعية يختلف حولها الوزراء، مع العلم أن «ظاهر» الامور يوحي وكأن الجميع يريد الانتهاء من هذا الملف بأسرع وقت ممكن، ولكن الغوص في خفاياه يعقّده كثيرا. وتضيف: «يشكل ملف التعيينات الامتحان الأهم والأبرز للتسوية الرئاسية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، خصوصا بعد المطبات الصعبة التي واجهتها مؤخرا، وهنا ينتظر الوطني الحر وقوف «المستقبل» الى جانبه في طلباته، بينما ينتظر الثاني وقوف الاول معه في الحصول على كل تعيينات الطائفة السنية، وهنا ستبرز مشكلة أساسية، تكمن بموقف «المستقبل» الذي يضيع بين تأييد حق حلفائه في القوات اللبنانية بالحصول على حصص وازنة بالتعيينات، وهو ما تريده السعودية بشدة، ورضى الوطني الحر عنه واستمرار الحلف بينهما بما يخدم العهد وسلطة الحريري، الى جانب مطالبته هو بالحصول على كامل الحصة السنية، واستبعاد سنة 8 آذار الذين يعتبرون حصتهم مقدسة.
وتكشف المصادر الوزارية أن عدد المراكز الحساسة الشاغرة حاليا تجاوز الـ 30 وظيفة، مشيرة الى ان الازمة ستصبح كبيرة جدا إن لم يتم الاتفاق على آلية موحدة للتعيينات، لان عدد الوظائف الشاغرة سيصل خلال أشهر قليلة الى حوالى الـ 750 وظيفة، من الفئات الثلاث الاولى، مشددة على أن من هذه التعيينات ما هو مهم جدا في الحياة الادارية، وسيخلق منافسة شرسة بين الأفرقاء الحكوميين ومنها على سبيل المثال: التعيينات القضائية، التعيينات في المراكز الشاغرة في مركز الإنماء والإعمار، تعيين أعضاء المجلس الدستوري، اذ يحق للحكومة تعيين خمسة أعضاء، ويعود للمجلس النيابي انتخاب خمسة آخرين، كذلك تعيين أعضاء المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، والذي ينطبق عليه نفس الآلية في المجلس الدستوري، وغيرها الكثير من وظائف الفئة الثانية والثالثة.
بالنسبة للتيار الوطني الحر فتؤكد مصادره انفتاحه في التواصل مع الجميع لنقل الملف الى بر الأمان، مشيرة الى أن التيار يؤيد إجراء التعيينات دفعة واحدة، رغم علم قيادته بصعوبة هذا الأمر. وتقول: «لا نريد الاستئثار ولكننا لن نفرط بحقوقنا، وسنحرص على أن يكون معيار الكفاءة هو المعيار الاول لأي تعيين».
من جهتها، تكشف مصادر القوات اللبنانية ان لا توافق حاليا حول ملف التعيينات، رافضة أن يتم التعاطي معه على أنه مثل باقي الملفات، اذ ان التعيينات هذه المرة يجب أن تؤسس لمرحلة وطنيّة جديدة، بعقلية جديدة بعيدة عن المحاصصة والزبائنية. وتضيف المصادر: «القوات أثبتت انها لا تسمي الأشخاص للمناصب عبثا بل بناء لخلفية علمية وقدرات خاصة لإنجاز المهام، وهي ستحاول فرض هذا المعيار على جميع المشاركين في هذا الملف».
اخيرا، ترفض المصادر الوزارية الحديث عن انفجار قريب بسبب ملف التعيينات الا أنها تحذر من حساسيته، وضرورة التعاطي معه من منطلق وطني لا على أساس شخصي.