أعاد وزير الداخلية نهاد المشنوق طرح «المقايضة» مَخرجاً لأزمة العسكريين المخطوفين لكن «استناداً إلى القوانين المرعية الإجراء»، الأمر الذي لم يفهمه كثُر. فمنطق المقايضة بمفهومه يتجاوز القوانين لا بل يتناقض معها. وهو أمرٌ قادَ إلى قراءة جديدة للمعطيات المحيطة بالملفّ، وهذه بعضُ جوانبها.
في العودة إلى الاجتماع الأمني الذي عُقد في وزارة الدفاع عصر الثلثاء الماضي، والذي تناولَ المفهوم الجديد للمقايضة، كما طرحَه وزير الداخلية، استعرضَ المجتمعون سيلاً من التقارير والمعلومات السلبيّة التي كانت تُوحي بصعوبة انطلاق المبادرة التركية بعد تعثّر المبادرة القطرية في بدايات انطلاقتها، عندما تراجعَ الخاطفون عن تعهّدات سابقة بوقفِ مسلسل النحر والقتل رمياً بالرصاص وفق معادلة مذهبية يُتقنها الخاطفون سعياً وراء فتنةٍ مذهبية سنّية – شيعية كانت قد بدأت تذرّ بقرنها من عرسال ومحيطها.
فالتقارير الأمنية والاستخبارية التي جمَعتها الأجهزة الأمنية من الداخل أو تلك التي تلقّتها من الأجهزة الصديقة من الخارج، كانت تتحدّث عن أجواء سلبية تُخيّم على تلال عرسال والقلمون السوريّة. فالمسلّحون بدأوا يحتسبون مخاطر الحصار على جرود عرسال، وهم يتلمّسون منذ اليوم ما سيكون عليه الوضع عند بدء فصل الشتاء، فقرّروا استعجالَ المراحل في شأن المفاوضات حتى أحرقوها.
وفي هذه التقارير حديث عن هواجس عدّة تتحكّم بقيادة المجموعات الإرهابية مخافة أن يصبحوا مرّةً أخرى بين نارين: نار الجيش السوري و»حزب الله» من الجهة السورية، ونار الجيش اللبناني من جهة أخرى، في وقتٍ تعثّرَت المحاولات التي قادوها لاستعادة السيطرة على قرى القلمون السورية التي ستضع عرسال، في حال استعادتها، في الدرجة الثانية.
وعلى هذه الأسُس، انتقل الحديث إلى منطق استخدام أوراق القوّة التي يملكها الجانب اللبناني في ظلّ فقدان المبادرات الخارجية، بعدما كانت تشكّل بوّابة العبور الآمنة الى معالجة ملف المخطوفين، فعاد الحديث عن منطق المقايضة وفق القوانين المرعية الإجراء، وهو أمرٌ لا يمكن أن يشكّل مخرجاً سهلاً، طالما تمّ الربط بين المقايضة والقانون. ففي واقع الحال وفي المنطق القانوني لا وجود للمقايضة، إذ ليس هناك قانون يسمح مثلاً بإطلاق الموقوفين الإسلاميين الذين يطالب بهم الخاطفون.
وهنا يتحدّث رجال القانون عن عقبةٍ أساسية أمام منطق المقايضة لا يمكن تجاوزها بسهولة. فالعدد الأكبر من الأحكام التي صدَرت بحقّ عدد من الموقوفين أصدرَها المجلس العدلي، وهو الهيئة القضائية الوحيدة التي لا تخضع قراراتها لأيّ وسيلة من وسائل المراجعة، وهي في معظمها أحكام بالإعدام أو بالأشغال الشاقة مدى الحياة. ولذلك، وجبَ التوجّه على الفور إلى مبدأ العفو العام الذي يصدر عن رئيس الجمهورية وهو غير موجود.
ورُبَّ قائلٍ إنّه يمكن اللجوء إلى استصدار قانون عفو عام عن مجلس النواب، وهو أمرٌ ليس من السهل الوصول إليه. فما هو مطروح بهذا الشأن لا يزال على لائحة القضايا الخلافية ولن يُجمِع عليه أعضاء المجلس النيابي.
ولو افترضنا أنّ المجلس وصلَ إلى مرحلة إقرار هذا القانون، فلن يكون سهلاً العبور به عبر الحكومة التي تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً. فمعارضة وزير واحد يمتنع عن توقيعه سيحول دون إصداره ونشره.
وبناءً على ما تقدَّم، يمكن القول إنّ الحديث عن مبدأ المقايضة دونه عقبات أساسية، ولذلك سيبقى البلد محكوماً بمعادلة سلبية، أحد أطرافها لجنة أهالي المخطوفين. فقد أثبتت الوقائع أنّ بقدرة الخاطفين اليوم إدارة شؤون البلاد على هذا المستوى.
ويمكنهم أن يطلبوا في رسالة صوتية أو اتّصال هاتفي بأيّ من أهالي المخطوفين، قطعَ أيّ طريق أو تنفيذ أيّ عمل لضمان بقاء فلذات أكبادهم أحياءً على الأقل، إلى أن تتفتَّق عبقرية اللبنانيين بالوصول الى مخرج قابل للتطبيق.
وهو أمرٌ مستبعَد في الظروف الحاليّة، فالمشكلة أكبر من أن تُحَلّ بقدرات اللبنانيين في ظلّ شَلل المبادرات الخارجية التي باتت أسيرة التحالف الدولي الجديد الذي أنهَى أدواراً كانت للبعض منهم، ما سيؤدّي حتماً إلى استمرار «الحرب النفسية» متفوّقةً على منطق «المقايضة القانونية»، إلى أجلٍ غير مسمّى.