أصعب ما في القراءة السياسية والتحليل السياسي للمرحلة الراهنة، هو أنها مرحلة تقع بين خَطَيْ زلزال:
خط نهاية أو قرب نهاية مرحلة الشغور الرئاسي، وخط بداية أو قرب بداية مرحلة العهد الرئاسي الجديد، وبين الخطين فجوة أو هوة تكبر أو تصغر بحسب تطور الأوضاع بشكل يومي، لأن هذه الأوضاع عرضة لمتغيرات ولبورصة المواقف، ولذا يجب مراقبتها بعناية ودقة لأنها على شيء كبير من الخطورة.
***
وأصعب ما في هذه المرحلة هو:
إلى مَن يمكن التوجه؟
هل إلى المسؤولين الذين سيأفُلُ عهدهم قريباً، أو إلى المسؤولين الذين سيلوح عهدهم قريباً؟
بين الإثنين هناك تركةٌ ليست ثقيلة فحسب بل هي هائلة، ومن الظلم التوجه إلى المسؤولين المقبلين في العهد الآتي لأنَّ لا ناقة لهم ولا جمل في المسؤوليات المترتبة، بل المطلوب التوجه إلى المسؤولين الحاليين لأنهم هُم المسؤولون.
وإذا عددنا الملفات فإننا لا ننتهي، ولأنَّ الرأي العام منهمكٌ بالإستحقاق الرئاسي فإنه يكاد أن ينسى أو يسهو عن الملفات التي قضَّت وتقضُّ مضجعه منذ مدة طويلة ويعاني منها أشدَّ معاناة.
***
إذا أخذنا ما تميَّز به عهد الفراغ والشغور فإننا نتلمَّس الملفات التالية:
ملف النفايات وملف الكهرباء ومتفرعاتهما، ملفُّ النفايات يقترب من الترحيل لأنَّ النفايات تقترب من الترحيل ولكن بأية أكلاف؟
على المسؤولين أن يطلعوا الرأي العام الغاضب على أدق التفاصيل، إنْ لجهة الأًمراض وإنْ لجهة الفضائح وإنْ لجهة معاناة الناس:
أزمة النفايات عندنا هي أطول أزمة في العالم، طن النفايات عندنا هو أغلى طن نفايات في العالم، ومع ذلك ما زالت الروائح منبعثة إلى أن يُنجَز مكيول الترحيل.
***
والحديث عن فضيحة النفايات لا يُغيِّب الحديث عن فضيحة الكهرباء:
أجيال تتعاقب على هذه الفضيحة لكنها بلغت ذروتها في الأعوام الثمانية الأخيرة، فبات اللبناني عالقاً بين ثلاث أوراق:
ورقة المولِّد الخاص، ورقة مولِّد الحي، وورقة مؤسسة كهرباء لبنان.
إذا جُمعت هذه الأوراق الثلاث فإنها تُختزل بكلمة واحدة المحاسبة، والسؤال الكبير:
مَن يحاسِب مَن؟
بالتأكيد فإنَّ المسؤولين عن ملفِّ الكهرباء هُم في دائرة المحاسبة لأنهم هُم في دائرة المسؤولية، فمن صفقات الفيول إلى عمولات باخرتي التوليد إلى أرباح الصيانة في المعامل، ومع ذلك لا كهرباء على قَدْر الحاجة.
***
أكثر من ذلك، فإنَّ الفضيحة الكبيرة تتمثَّل في انخفاض أسعار المحروقات ولا سيما المازوت، فيما فواتير الكهرباء ما زالت على حالها. كيف تنخفض أسعار برميل النفط إلى ما دون الأربعين دولاراً، فيما تبقى الفاتورة على حالها حين كان سعر البرميل يتجاوز المئة والعشرين دولاراً؟
هل إذا كان الناس منهمكين سياسياً بالفراغ الرئاسي، وبيئياً بالنفايات، ومعيشياً بسلامة الغذاء، يحقُّ للمولَجين بقطاع الكهرباء من مؤسسات وأصحاب مولِّدات أن يبهدلوا الناس إلى هذا الحد؟
***
ربما يجدر أن تكون من أولويات العهد الآتي أن يضع ملف الكهرباء في سلَّم أولوياته، فجزءٌ من دَيْن المليارات السبعين من الدولارات موجود في إهدار الكهرباء…
سؤال بديهي:
كيف المحاسبة وهل بإمكان العهد المقبل أن يعيد بعض مليارات فقط ممن إستفاد عبر العهود لغاية اليوم من هدر الكهرباء؟
لنعيد من السبعين مليار دين، بالمحاسبة ما يناهز ٣٠ مليار دين من الكهرباء؟