لا تواكب الاوساط السياسية اللبنانية الاحتمالات التي ترافق زيارة مرتقبة يقوم بها مدير شؤون الشرق الاوسط في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو للبنان قريبا باي آمال أو حتى اوهام على غير ما حملته زيارته الاولى لبيروت قبل مدة على رغم تطلع غالبية هذه الاوساط الى اي افكار جديدة يمكن ان تكون ابتكرتها الديبلوماسية الفرنسية على طريق السعي الى ايجاد حل لمأزق الفراغ على مستوى الرئاسة الاولى في لبنان. فالمعلومات المتوافرة التي يتداولها الجميع على مختلف المستويات تفيد بان اي تغيير لم يحصل على صعيد هذا الملف ولا سيما لجهة مواقف الافرقاء السياسيين المسيحيين منهم في شكل خاص اي كل من العماد ميشال عون الذي كان له جلسة تعتبر صدامية مع جيرو في المرة السابقة والدكتور سمير جعجع وكذلك الامر بالنسبة الى استمرار تمسك “حزب الله” بترشح العماد عون وعدم اظهاره اي ليونة بالاصالة عن نفسه وبالنيابة عن كل من ايران والنظام السوري وفق ما ينقل متصلون به للتخلي عن دعم العماد عون اقله في المرحلة الراهنة. والسؤال الذي تثيره مصادر ديبلوماسية بات يقع في اطار ما اذا كان اللبنانيون يريدون فعلا استمرار ربط ازمة الرئاسة الاولى بازمة سوريا بعد فشل عزل لبنان عن هذه الازمة وبعد فشل اتفاق المسيحيين على التوافق على رئيس بحيث ينتظر انتخاب الرئيس العتيد ايجاد حل للازمة السورية ام يعمدون الى محاولة الفصل وعدم الانتظار والعمل على ملء الشغور في هذا الموقع الدستوري الاول في البلاد. فعدم الانتظار هو الذي يجب ان يؤدي الى رئيس توافقي يدير الوضع في البلد في المرحلة الراهنة انطلاقا من ان اي رئيس طرف لا يبدو محتملا أو مقبولا. والعارفون بما وراء الامور وخفاياها يقولون ان العماد عون من موقعه الرافض لحلحلة الموضوع الرئاسي ما لم يتم انتخابه يناسبه الربط بين الموضوع الرئاسي والازمة السورية انطلاقا من اعتقاده واعتقاد كثر ايضا ان المسيحيين عبر المجلس الرئاسي الذي بات عليه مجلس الوزراء راهنا والذي يعطي الوزير صلاحية تعطيل اي قرار لا يناسب مصلحته الشخصية والمباشرة أو مصلحة المسيحيين عموما يتمتع بصلاحيات اكثر من الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية. وتاليا فان لا ضير في استمرار الواقع القائم على رغم ان رهان العماد عون وفق ما يعتقد هؤلاء مبني على ان الحل المحتمل للازمة السورية سيصب في مصلحة وصوله للرئاسة كيفما كان هذا الحل علما ان ثمة ثقة متعاظمة لدى فريق 8 آذار بان الرئيس السوري باق في منصبه وان اي حل سيمر عبره خصوصا في ضوء عاملين احدهما التسليم ببقائه راهنا من دون اي رغبة على اطاحته في ظل الدفع الايراني والروسي ببقائه ومحاولة صياغة حل على هذا الاساس في ظل غياب اي اقتراحات حلول مضادة أو حلول اخرى. والعامل الآخر هو رهان النظام السوري على الوقت الذي يراه يصب في مصلحته في ظل عوامل كثيرة اقليمية ودولية ساعدته من دون اي جهد منه.
الا ان مصادر عدة لا ترى ان انتظار الازمة السورية قد يساهم في مثل هذه النتيجة انطلاقا من انه استراتيجيا لا مجال لاستمرار رئاسة بشار الاسد انطلاقا من ان سوريا تقف امام حلول عدة من بينها ان استمرار الاسد رهن بتراجع مستوى صلاحياته على غرار ما حصل بالنسبة الى المسيحيين في لبنان علما ان الترجيح هو لرئاسة لا تعود للطائفة العلوية بل للطائفة السنية على المدى المتوسط والبعيد. واذا كان على الرئاسة اللبنانية انتظار الحل السوري فإن هذا الحل لا يتناسب وطموحات عون في حين انه قد يناسبه الى جانب احتمال بقاء الاسد توجه سوريا نحو الكونفيدرالية كما العراق والذي قد ينعكس على لبنان. اما احتمال توجه الوضع السوري الى “طائف” سوري مماثل لاتفاق الطائف اللبناني من حيث مشاركة كل الطوائف وتقاسمها السلطة فانما يعني استنقاع الوضع في لبنان كما هو سنوات طويلة على ما هو عليه اليوم على رغم ان النظام السوري لا يرى هذه الصيغة مناسبة للحكم في سوريا.
في اي حال، فإن عدم رسم توقعات لزيارة جيرو انما هو مبني وفق ما تفيد المعلومات على واقع ان الحوار السني الشيعي الذي حصل بدفع سعودي ايراني بعد تدخل من الفاتيكان من اجل محاولة الاتفاق على ملء الشغور الرئاسي اما عبر اتفاق الطرفين مباشرة على مرشح محتمل يكون مقبولا من الفاتيكان أو عبر حض الافرقاء المسيحيين اي عون وجعجع على توظيف الانزعاج من احتمالات الحوار السني الشيعي في السعي الى اتفاق على رئيس توافقي لم يؤد الغرض منه بعد. اذ ان ايران ليست مستعدة للتخلي عن عون من دون اثمان مناسبة في حين ان تخلي الحزب عن حليفه المسيحي قد يجعله يخسر المسيحيين المناصرين للتيار العوني. وهذا كله لا يبدو في الافق في اي شكل من الاشكال اقله وفق المعطيات الراهنة. اذ الى جانب ذلك تفيد المعطيات المتوافرة لدى الجميع ان عون لا يزال على تصلب موقفه من ضرورة انتخابه للرئاسة ما يترك المجال وفق البعض لمحاولة اقناع جعجع بانتخاب عون على رغم ان هذا الرهان ليس في محله في موازاة تصلب عون.