IMLebanon

«فيلم ريمي»… «غوغل» «النوايا و«بارومتر» الإنتخابات»

 

توقّفت مراجع ديبلوماسية وسياسية أمام التطوّرات التي أعقبت الفيلم المسرّب عن «لقاء محمرش»، فعبّرت عن استيائها من ردّات الفعل التي هدَّدت إنجازاتٍ كثيرة تحقَّقت. إذ لا يجوز أن يُسمع كلامٌ شبيه بالذي سُرِّب أمس عن طلب الرئيس نبيه برّي عدم «التعرّض لأيّ منطقة مسيحية»، وهو ما رفَعَ منسوبَ القلق على مستقبل العلاقات بين اللبنانيّين. فكيف السبيلُ الى هذه القراءة؟

في معزلٍ عمّا تركه الفيلمُ المسرَّب عن «لقاءِ محمرش» من ردّاتِ فعل أو انقسام بين اللبنانيّين، فقد كشَفَ حَجمَ «ورقة التوت» التي كانت تحجب المخاطر التي واجهها البلد في ساعات قليلة أعقبت نشر الفيلم عبر وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام، فأطاحت بإنجازاتٍ كثيرة حقّقها اللبنانيون، وهدَّدت كل ما تباهى به العهدُ الجديد الذي رفَع شعارات «التفاهمات الوطنية» الكبرى وصولاً الى الحديث عن احتمال إلغاء الطائفية السياسية في «البلد الممذهَب». وأطلّت مجدّداً بوادرُ الفتنة المذهبية والطائفية التي ظهر أنّها يمكن أن تتجدّدَ في أيِّ لحظة.

بهذه العبارات «المفتاحية» التي اعتقد اللبنانيون أنها باتت من تاريخهم، عبّرت مراجع سياسية وديبلوماسية عن تقويمِها للتطورات الأخيرة التي رفعت منسوبَ القلق لدى مرجعيات عدة، إذ إنّ تطوّر ردات الفعل التي عبّرت عنها جماهير حركة «امل» في مختلف المناطق اللبنانية كادت تُعيد البلاد الى مراحل سابقة من أجواء الفتنة وانعكست على عمل المؤسسات الدستورية وما رافقها من تطاولٍ على رئيس الجمهورية، حيث أُحرقت صورُه والأعلامُ البرتقالية.

وفي قراءة التحوّلات الجديدة، كان لا بدّ من التوقف عند حجم الجهود التي بُذلت في السنوات الأخيرة لتجنيب البلاد مخاطر الفتنة السنّية – الشيعية انعكاساً للأجواء التي خلفها مسلسل الحروب على الساحات العربية والإسلامية من العراق وسوريا الى اليمن والبحرين، لكنّ ما حملته الساعاتُ الأخيرة أعطى انطباعاً بإمكان تجدّد الفتنة المسيحية – الإسلامية في أيّ لحظة، من دون أيّ ضوابط أمنيّة وسياسية، عدا عن خطر انفلاشها في مناطق واسعة من بيروت والجنوب، والأخطر أنّ بعضها وُضع تحت عنوان حراك «العناصر غير المنضبطة» والتي لا يمكن لجمُها.

وقد تناسى أصحاب هذا الشعار حجمَ التحضيرات المسبَقة التي استغرقت ساعات، والتي كانت كافية للَجم النتائج المتوقّعة منها في أجواء من التناغم والتحريض النيابي والسياسي والحزبي والشعبي والنقابي على أكثر من مستوى.

قبل حصول ما حصل وما يجري التحضيرُ له، والتهديد بإقفال المطار والسعي الى نقل الصراع الى مؤتمر «الطاقة الإغترابية» في أبيدجان، كانت الأوساط السياسية والديبلوماسية تستذكر المراحل القصيرة التي شهدت تعاوناً بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب منذ بداية العهد، فاختصرتها بمرحلة قصيرة عبَرت تحت شعار مواجهة أزمة استقالة الحريري من الرياض بموقف وطني جامع، ما لبث أن تبخّر عند أول استحقاق تجلّى بـ«مراسيم الأقدميّة والترقية»، قبل أن تتطوّر الأمورُ على الشكل الذي شهدته الأيام الماضية وارتفاع وتيرة التشنّج في علاقات الطرفين مجدّداً.

وكل ذلك شكّل فترةً عابرة أعقبت تحوّلاً بعد جولة من التشنّجات حكمت العلاقة بين عين التينة والرابية قبيل الانتخابات الرئاسية في جلسة الإنتخاب وما شهدته من إعادة عملية الإنتخاب ثلاث مرات متتالية.

وليس خافياً على أحد أنّ هذه الأجواء المتشنّجة استمرّت بوتيرة متقطعة بعد الإنتخابات الرئاسية، وسُجِّل مزيد من المناكفات امتدّت طيلة فترة تشكيل الحكومة والسباق على الفوز بالحقائب السيادية، والمال واحدة منها. وعلى رغم ما رافق تلك المراحل من تشنّجات يعترف جميع الذين واكبوا تلك المرحلة أنّ جروحَها والندوبَ التي تركتها عولجت «على زغل» ولم تتناول أسبابها الرئيسة والظروف التي قادت اليها، فبقيت جمراً تحت الرماد.

وفي ظلّ غياب الوسطاء القادرين على توفير مخرج للأزمة بعد سقوط محاولات عدة قادها أصدقاء مشترَكون بين بعبدا وعين التينة ومحاولات رئيس الحكومة التي اصطدمت برفض عين التينة إعطاءَه صفة الوسيط، فإنّ ما بلغته الأزمة وانعكاساتها على عمل الحكومة واللجان النيابية وصولاً الى «مؤتمر أبيدجان»، عزّز المخاوف من إمكان أن تجرّ الى أحداث أخرى والبلاد على أبواب انتخابات حامية تتداخل فيها المصالح الإنتخابية في أكثر من دائرة.

وهو ما فسّرته التحرّكات التي قامت بها حركة «أمل» على أبواب قرطبا في جبيل، حيث جرت محاولات لقطع الطرق هناك، امتداداً الى قرى جزين والزهراني، كما حصل في بلدة عين الدلب المسيحية، وفي الغازية حيث تلتقي مكاتب الحركة الخضراء والتيار البرتقالي.

وبناءً على ما تقدّم، تصرّ المراجع السياسية والديبلوماسية على اعتبار أنّ ما حصل لم يكن مستغرَباً وأنّ استمرارَ التستّر على هذه الأجواء المتشنّجة كان أخطر من انفجار الوضع اليوم وقبل الغد.

لذلك ثمّة مَن اختصر المشهد السياسي، فرأى في الفيلم المسرَّب، وكأنّه يلعب دورَ «غوغل» في كشف النقاب عن كمّ من النوايا السياسية والحزبية والطائفية وبوابة الى تحمية «بارومتر» وارتفاع حرارة الإنتخابات النيابية قبيل تركيب اللوائح.