Site icon IMLebanon

وأخيراً إقالة عبد المنعم يوسف!

اليوم «يوم السعد» بالنسبة لوزراء الاتصالات الذي حملوا الحقيبة كممثّلين عن التيار الوطني، وبالنسبة لخصوم عبد المنعم يوسف. الإقالة آتية لا ريب فيها، منذ سقط الغطاء السياسي لآل الحريري عن «موظّفهم»، الذي ورثه فؤاد السنيورة عن الراحل رفيق الحريري

من «محبوب» الرئيس الراحل رفيق الحريري، إلى أوّل ضحيّة للتوافق السياسي بين الرئيس سعد الحريري والتيار الوطني الحرّ. تاريخ حافلٌ بالمناكفات ومئات الدعاوى القضائية، مروراً بالسجن خمسين أسبوعاً في عهد الرئيس إميل لحّود، يمكن عبد المنعم يوسف، أن يحمل لقب «أكثر مدير عام في الدولة اللبنانية لديه أعداء».

لم يترك المدير العام لهيئة «أوجيرو» ورئيس مجلس إدارتها ومدير الاستثمار في وزارة الاتصالات ـــ خلافاً للقانون ــــ صاحباً يدافع عنه وقت الشّدة. ناكف وزراء التيار الوطني الحرّ المتعاقبين على وزارة الاتصالات، حتى بات «رأسه» يُعرض في التسويات السياسية، سواء تلك التي كاد الحريري يعقدها مع النائب سليمان فرنجية، أو تلك التي عقدها مع الرئيس ميشال عون. مشكلته مع النائب وليد جنبلاط باتت معروفة، وكذلك مع قيادة الجيش. لكنّ هذا، في بلد «الغطاء السياسي»، لا يقدم ولا يؤخّر. أزمة يوسف أنه لم يعد محظياً عند آل الحريري، لأن الرئيس فؤاد السنيورة نفسه بات «موضة قديمة» عندهم، أو ربّما لأن من تبقّى من أصدقائه يقولون إن «نادر الحريري غضب عليه بسبب ملفّ الكاميرات في بيروت». حتى حزب الله وحركة أمل اللذان يقولان إن يوسف غرّد خارج سرب المتآمرين على المقاومة في حرب تموز 2006، ليسا في وارد الاعتراض على إقالته، طالما أنهما اشتكيا طويلاً من هيمنة السنيورة ومن كان يمثّل على مرافق عامّة في البلد، وطالما أن الأمر «أزمة بيت داخلي» عند الحريري.

هكذا إذاً، لم يعد عبد المنعم يوسف ركناً من أركان «الطائفة» لدى تيار المستقبل، ولا تشكّل إقالته تهديداً يستدعي «غيرة الدين»، كما كانت الحال أيام الخصام مع التيار الوطني الحرّ. «كَثُر السّلاخون».

«المنافق» والمخترع

ابن بخعون في الضّنية الشمالية، المهندس خريج فرنسا، كان واحداً من جيش الموظّفين الذين أرادهم الحريري الأب، لإدارة مؤسسات دولة ما بعد الحرب، والمؤسسات الخاصة، التي أُريد لها أن تحلّ مكان مؤسسات المرفق العام، يوم كان الرئيس الراحل شديد الحماسة لخصخصة الهواء والماء.

لم يعد يوسف ركناً من أركان «الطائفة» لدى المستقبل ولا تستدعي إقالته «غيرة الدين»

لكنّ هذا الجندي، كان مميّزاً، واستطاع على الرغم من مآخذ خصومه، أن يحوّل «هيئة أوجيرو» إلى مؤسسة أقوى من وزارة الاتصالات نفسها. ألدّ أعدائه يطلقون عليه صفات أقلّها «كذوب» و«منافق»، وأنه يُغرق محدّثه، وزيراً كان أو قاضياً أو موظّفاً بالملفّات والمعلومات، حتى يضيع المتلقي، وأن شروحه التقنية المطوّلة تُربك مستمعيه، فيفرض إقناعه عليهم. وهؤلاء، لا ينكرون عليه أنه شديد العناد و«رأسه كبير»، ولو أن هذه الصفة ترد في معرض الذّم، وأنه يغطّي «نِفاقَه» بلباقة الحديث والتهذيب، والمصطلحات الفرنسية. ويقول أعداؤه أيضاً، إن لديه مظلّة استخباراتية فرنسية، لكنّ هذا لا يُحسب في لبنان، طالما أن المظلّات الاستخباراتية في البلد تلقي بفيئها هنا وهناك. أمّا الملفّات الخلافية مع وزراء الاتصالات المتعاقبين، فأكثر من أن تعدّ، من ملفّ الـ«E1» إلى ملفّ الشركات الموزّعة للانترنت وشبكة «الألياف الضوئية»، وصولاً إلى بثّ النعرات الطائفية والمذهبية ورفع رواتب موظّفين وانتحال الصّفة وعرقلة تطوّر قطاع الاتصالات والتورّط في ملفّات الانترنت غير الشرعي.

قبل أن يطلب الحريري الأب في العام 1995 من شركة «فرانس تيليكوم» خبيراً لمواكبة قطاع الاتصالات في لبنان وعمل شركتي الخليوي وقتها، «سيليس» و«ليبانسيل» لمدة ستة أشهر، ويكون هذا الخبير هو يوسف، حفلت سيرة الأخير الذاتية بوظائف مهمّة في قطاع الاتصالات العالمي. تنقّل يوسف في النصف الثاني من الثمانينات بين العمل في «مركز الدراسات الفضائية» في مدينة تولوز الفرنسية، و«الوكالة الأوروبية للفضاء» في هولندا، قبل أن ينتقل الى شركة «فرانس تيليكوم». وتُسجّل باسمه 9 براءات اختراع عالمية في تقنيات الأقمار الاصطناعية المخصّصة للاتصالات، و«حماية الالكترونيات من الرياح الشمسية والكسوف والخسوف».

أُعجب الحريري بيوسف، فعرض عليه أن يبقى في لبنان مديراً عاماً للاستثمار في وزارة الاتصالات. وما إن استفحل الخلاف مع لحود، في حكومة الرئيس سليم الحصّ العام 1999، حتى أودعه لحّود في السجن لعام تقريباً، وأقيمت ضدّه 139 دعوى جزائية أمام القاضي عدنان عضّوم، و19 شكوى إدارية في التفتيش المركزي، وثلاث دعاوى في ديوان المحاسبة، كما أحيل أمام الهيئة العليا للتأديب في 48 «مأخذاً». المحاكمة التي دامت ستّة أشهر انتهت بالبراءة، لكنّه ترك لبنان إلى فرنسا، وبقي حتى 2006 حين طلب السنيورة منه العودة وتولّي منصبه القديم، بالإضافة إلى إدارة «أوجيرو». في 2006، كانت هناك إرادة سياسية لتنفيذ القانون رقم 431 الذي صدر في العام 2002، والقاضي بإلغاء المديرية العامة للاستثمار والصيانة والمديرية العامة للانشاء والتجهيز وهيئة أوجيرو، وصدر مرسوم تشكيل «ليبان تيليكوم»، التي كان يفترض أن تؤلّف وتبدأ عملها خلال عامٍ. كما عُيّن أعضاء الهيئة الناظمة للاتصالات في 2007، لمدة خمس سنوات، وهذه الهيئة بالمناسبة، شاغرة منذ 2012. فعلّل السنيورة تسليم يوسف منصبين متعارضين في وقت واحد بضرورات المرحلة الانتقالية، خصوصاً أن الموظّفين المفترضين في «ليبان تيليكوم» سيكون عمادهم موظفي «أوجيرو». غير أن الانقسام السياسي بعد 2006، لم يسمح بانطلاق «ليبان تيليكوم»، التي لا تزال معطّلة.

وفي معرض دفاعه عن نفسه أمام أصدقائه «القلائل»، لا يوفّر يوسف فرصة للتذكير بعمله في تطوير قطاع الاتصالات. ينقل صديق عنه مجموعة «حقائق»، أوّلها أن يوسف، كان المحرّك الأساسي، لإنشاء خط الكابل البحري الذي يصل الهند بالشرق الأوسط بغرب أوروبا، وأن دوره هو الذي سمح للبنان ليكون شريكاً أساسياً في هذا الكابل، وأنه «بطل» قطاع الاتصالات الذي توقّف عن التطوّر مذ تركه عام 1999، كما ينسب اليه «انجازات» خفض ادخال تقنية الـ «DSL» وخفض اشتراك الهاتف الثابت وكلفة الاتصالات الدولية، وتحويل «أوجيرو» من مؤسسة مديونة بـ 30 مليون دولار الى هيئة تؤمّن دخلاً يفوق المليار و300 مليون دولار سنوياً لخزينة الدولة!

قد يُظَهِّر فريق الحريري إقالة يوسف كدلالة على البدء بـ«ورشة مكافحة الفساد»، كما وعد رئيس الحكومة الرئيس عون، أو تماشياً مع الحملة الإعلامية لتلميع صورة «النيو حريري».

كان يوسف محميّاً من الحريري، وسقط عنه الغطاء. واليوم، في مجلس الوزراء، البديل لتولّي منصب مدير عام «أوجيرو» جاهز، وهو المهندس عماد كريدية، وفي منصب مدير عام الاستثمار في وزارة الاتصالات، شبه جاهز أيضاً، تردد أنه أحد المهندسين من آل الأيوبي من الشّمال. علماً بأنه حتى ليل أمس، لم يوزّع ملحق بند تعيين بديل عن يوسف في المديرية العامة للاستثمار على الوزراء، لكن «نية» تعيين البديل انكشفت من دون ملحق.