تقدم رئيس مجلس إدارة مستشفى صيدا الحكومي وأعضاؤه باستقالاتهم أمس احتجاجاً على «حملات التحريض والتشويه التي لحقت بإدارة المستشفى» كما نقل عنهم. الاستقالة جاءت بعد يوم من مثول رئيس المجلس الدكتور علي عبد الجواد أمام المدعي العام المالي للاستماع إلى إفادته في دعوى صرف تعسفي رفعها ضده أحد الطباخين في المستشفى. ليست الدعوى الدافع الوحيد الذي قصم ظهر عبد الجواد بعد سنوات من التضييق عليه من قبل وزارات الصحة المتعاقبة بـ»عناية فائقة» من تيار المستقبل!
مجلس إدارة «مستشفى الفقراء»، في صيدا، شكّل الانتصار الثاني للقوى الوطنية في المدينة بعد فوزها على تيار المستقبل وحلفائه في الانتخابات البلدية عام 2004. التنظيم الشعبي الناصري والحزب الديموقراطي الشعبي وحلفاؤهما، اختاروا أعضاء المجلس برئاسة عبد الجواد، ابن شقيق المناضل النقابي الراحل حسيب عبد الجواد. أسامة سعد كرّس رمزية المستشفى وارتباطه بالجو الوطني بخضوعه لجراحة فيه، ليكون أول نائب يُعالج في مستشفى حكومي. إلا أن المستقبل وحلفاءه لم يكونوا راضين عن المجلس الذي عُيّن من دون رضاهم. كذلك، لم يكن عبد الجواد ودّياً مع الوزراء المتعاقبين، إذ كان ينتقد إهمالهم للمستشفى بالمقارنة من المليارات التي تحوّل الى مستشفيات عامة وخاصة أخرى.
في عهد الوزير علي حسن خليل، صرف ممرضة من العمل لأنها تعاني من مشكلات مرضية. احتجّت لدى الوزارة التي أصرّت على إعادتها. أما في عهد الوزير وائل أبو فاعور، فصرف طباخاً لأنه أصرّ على الجمع بين وظيفتين بصورة مخالفة للنظام الوظيفي في الإدارات العامة. لم يكتف الطباخ بالاحتجاج، مستعيناً بنافذين، بل قدّم دعوى صرف تعسفي. بين هذا وذاك، كانت الحريري تلعب على حبل الودّ المقطوع بين عبد الجواد ووزراء الصحة، مستفيدة من علاقتها الوطيدة بالمرجعيات السياسية. وفي الموازاة، استعان عبد الجواد بسعد ليتوسط لدى تلك المرجعيات بزيادة الدعم المالي للمستشفى. بذل الأخير ما في وسعه ولكن… الوسطاء الذين تدخلوا لحل الأزمة اقترحوا مثلاً افتتاح المستشفى التركي وربطه بالمستشفى الحكومي، على أن تتوزّع الإيرادات المالية المحوّلة من الوزارة عليهما بإشراف مجلس إدارة واحد يرأسه عبد الجواد. رفضت الحريري. طغى التضييق على الحلول، فاستقال عبد الجواد من إدارة المستشفى قبل عشرة أشهر، وعُيّن محله الدكتور أحمد حجازي المحسوب على تيار المستقبل، فيما بقي عبد الجواد رئيساً لمجلس الإدارة.
بدا واضحاً تراجع مستوى الخدمة والطبابة في الأشهر الماضية بعد أن سجل المستشفى افتتاح أول قسم عناية فائقة لحديثي الولادة في مستشفى حكومي في لبنان. في الآونة الأخيرة، تكثفت الحملات التحريضية ضد عبد الجواد. أبو فاعور كلف لجنة من أربعة أطباء للتحقيق في أوضاع المستشفى بعد شائعات عن اختلاس مالي. من بين الأطباء واحد محسوب على المستقبل وآخر على حركة أمل. بعد تشكيل اللجنة، استدعي عبد الجواد أمس إلى التحقيق بتهمة الصرف التعسفي، في وقت كانت قد أبرمت فيه التسوية بين الحريري وأمل لتشكيل مجلس إدارة جديد. مصادر مواكبة أشارت إلى أن الحريري سمّت طبيب القلب هشام قدورة لرئاسة المجلس، في حين سمّت أمل العضوين الشيعيين في المجلس.
«اختار عبد الجواد الاستقالة ولم يختر المواجهة». نتيجة توصّل إليها كثيرون في صيدا. لكن ألا يتحمّل الجو الوطني جزءاً من المسؤولية في ضياع مستشفى الفقراء؟
على الأنقاض، وقف سعد أمس وعقد مؤتمراً صحافياً. شكا «استهداف الفئات الشعبية والحرتقات الصيداوية لمن يعتبرون أن لا دور لهم في المجلس المستقيل، لذا أرادوا إطاحته. لكن ذلك لا يمكن أن يحصل على حساب كرامة الناس، والتحقيق المالي أثبت عدم وجود أي قضية مالية فعلية بل افتراءات فارغة».
من جهته، ناشد الدكتور عبد الرحمن البزري أبو فاعور «التحرك السريع لترتيب أوضاع المستشفى وتحريك ملف المستشفى التركي الذي يعتبر المركز الطبي الوحيد في المنطقة المتخصص بطب الطوارئ، والذي تمَ تأهيله وبناؤه بالشراكة بين بلدية صيدا والحكومة التركية بواسطة هبة مالية قدمت إلى الحكومة اللبنانية».