لم يكن التمديد الثلاثي للقيادات العسكرية النقطة التي طفح بها كيل العماد ميشال عون فحسب ولو انها احتلت في الظاهر واجهة ردة الفعل الغاضبة للعونيين وصولا الى تحركهم الاحتجاجي في الشارع. والحال ان استدارة الرئيس نبيه بري الى ما لم يسبقه اليه احد في إعلانه انه لن ينتخب الجنرال رئيساً ما دام لا يعترف بشرعية المجلس يتخذ الآن تحديداً دلالته الأعمق. ما يستدعي التوقف عند هذه الناحية هو ان التجمع العوني الاحتجاجي في ساحة الشهداء حيّد بري تماماً عن سهامه واستعاض عنه بقذف تيار المستقبل بما لا يمكن استساغته. وإذا كان أسوأ دلالات هذا التطور الإمعان في إشعال حساسيات من خلال استهداف تيار المستقبل بشعارات “داعشية”، يتعين على الزعامة العونية التنبه الى خطورتها فوراً، فان ذلك لا يحجب ان تعمّد هذا الافتعال يكشف الانهيار التام المتجدد بين عون و”المستقبل” على نحو يضع السباق الى الرئاسة الاولى على سكة مختلفة تماماً عما كان عليه. يحصل ذلك فوق طبقة اخرى من التحولات الداخلية التي “تتخمر” بفعل المستنقع السياسي الذي أغرق الجميع مع بلوغ عداد الأزمة الرئاسية الجلسة الرقم ٢٨. العماد عون لا يعترف بالقاعدة التي تؤكد استحالة تحصيل مكاسب في لحظة تغيير الدول، و”حزب الله” لا يملك اكثر من ان يقدم الى حليفه إلا تجربته مع “المستقبل” في معادلة التصادم المضبوط وفق ما تجسده حوارات عين التينة المدهشة في كتمانها على صفيح السجالات المتواصلة بينهما. أما “القوات اللبنانية”، الشريكة حديثاً للزعيم العوني في إعلان النيات، فتمعن في نأيها عن يوميات الأزمة، ومثلها الزعيم الدرزي الاكبر وليد جنبلاط، ولو من منطلقات مختلفة. في كل ذلك تتظهر الاهمية المفصلية لدور برّي الذي يضمر تحويل حوارات عين التينة الى مطبخ انضاج الاتفاق الكبير على رئاسة الجمهورية. هو طموح لاستعادة ما حصل قبل الطائف أو الدوحة ولو بظروف لا تزال تفتقر الى أسانيدها الاقليمية والدولية.
في التعميم الذي أصدره الرئيس سعد الحريري قبل أيام الى نواب “المستقبل” وسياسييه بتجنب السجالات التي تزج باسم الرئيس رفيق الحريري، يبدو واضحا ان ثمة خشية من توظيف طائفي في المعترك المحتدم كلامياً وعصبياً على وقع الحسابات الرئاسية المطلة على المشهد الداخلي. وفي التحرك الاحتجاجي العوني عقب اعلان زعيمه انه هو لا رفيق الحريري من حرر لبنان من الوصاية السورية، ثمة استعادة حادة للصراع مع التيار الأزرق من اصوله. وما بينهما من معادلات القوى الاخرى محجوب حتى الساعة، ولكنه قد لا يبقى محبوساً، كأن معركة الرئاسة بدأت بعد فراغ السنة والثلاثة أشهر!