إستمرار دعم السلع من “المركزي” تزامناً مع المعونة المباشرة للفقير يُعتبر إنتحاراً
“ترقيع بترقيع” و”تسكيج بتسكيج” كي لا يتفاقم وضع المتضوّرين جوعاً. كل القوى السياسية والإقتصادية أجمعت على ضرورة اعتماد الدعم المباشر للمواطن اللبناني الفقير تحت عنوان البطاقة التمويلية التي ليست سوى بنج موضعي، مع مشارفة احتياطي مصرف لبنان على النفاد وبالتالي رفع الدعم رويداً رويداً، وانعدام الآفاق لتشكيل حكومة فعالة. لكن من أين لدولتنا المفلسة أن تاتي بمليون و300 ألف ليرة دعماً شهرياً لأكثر من 600 ألف عائلة؟
اذا كان مصدر الدعم قرض البنك الدولي البــالغ 246مليـــون دولار، طبعاً لن نفوّت هذه الفرصة علينا في ظلّ الإحجام الدولي عن دعمنا قبل الشروع في الإصلاحات. ولكن رغم أن هذه الخطوة ستزيد حمل الديون الملقى على كاهلنا، إلا انها مبررة باستخدام المساعدة للمواطنين المحتاجين الذين يرزح اكثر من نسبة 55% منهم تحت خط الفقر.
مساعدة المواطنين مباشرة، صحيح أن من شأنه تحسين قدرتهم الشرائية التي تآكلت بنسبة 80% و”الخير لقدّام”، إلا أن الدعم الذي يمرّ بمرحلة الترشيد حالياً سيصل الى “وقت الفراق” وبالتالي وضع حدّ له ورفعه نهائياً رغم انه تمّ التصريح في أكثر من مناسبة ان رفع الدعم لن يحصل حالياً بل سيتمّ ترشيده وسيتزامن معه البدء بتوفير البطاقة التمويلية.
والسؤال الذي يُطرح، إذا كانت المعونة المباشرة ستصرف على مواد تتوفّر في السوق المحليّة والسوبرماركات، فكيف سيتمّ توفير تلك المواد؟
هناك احتمالان: إما أن تتوفّر الأموال من مصرف لبنان وفق سعر صرف الدولار العائم، أو من خلال احتياطه بالعملات الأجنبية ما يعمّق من نسبة استنزافه.
وعلى الأرجح لن يرضى البنك المركزي متابعة الإنفاق من احتياطه، بل سيتمّ تأمين الدولارات لاستيراد البضائع من السوق المتوفّرة وهي السوداء.
وبذلك فإن الطبقة التي ستتلقى المعونة من الحكومة، ستَلقى الدعم المباشر في “يَد” وتشتري المواد المتوفّرة وفق تسعيرة السوق السوداء في “اليد” الأخرى. لكن، من أين تأتي أموال السوق السوداء؟
من اللبنانيين المغتربين الذين كما توقّع مصدر مصرفي ونقدي لـ”نداء الوطن” “لن يتوانوا عن إرسال الدولارات الى أهلهم في لبنان مهما ساءت أوضاع البلاد”.
Fresh money او ارتفاع الدولار
وانطلاقاً من تلك المعادلة، إذا تأمنت الدولارات في السوق السوداء التي يشتريها التجار للاستيراد من الخارج كان به، وإذا لا، ستكون النتيجة إرتفاعاً صاروخياً للدولار الأميركي أمام العملة الوطنية وبالتالي تضاؤل حجم البضائع على رفوف السوبرماركات. حتى أن مزيداً من العلامات المتوفرة اليوم لن تعود متوافرة وسيتم استبدالها بماركات أخرى مستقدمة من تركيا وسورية و…، وسيتآكل الدعم الشهري الذي سيوفّر لكل عائلة.
هذا السيناريو المطروح سنصل اليه عاجلاً أم آجلاً اذا رفع الدعم وتمّ توفير ما قيمته 4 مليارات دولار سنوياً، وهو مبلغ يستنزف من إحتياطي “المركزي”، بالتوازي مع دعم المواطن مباشرةً.
ويعتبر المصدر نفسه انه “في حال تمّ السير بخطة دعم المليون و300 ألف ليرة لكل عائلة شهرياً، واستمرّ مصرف لبنان بدعم المواد الأساسية المستوردة، فيعتبر ذلك انتحاراً يفوق الإنتحار والإنهيار الكبير الذي نعيش في دوّامته اليوم”.
المركزي يبيع الدولار على 1500 ليرة
وفعلياً، إن مصرف لبنان لا يدعم حالياً المستوردين لاستقدام الطحين والمحروقات والدواء من الخارج، بل يقوم ببيع الدولار وفق سعر وسطي الـ1507.5 ليرات، الأمر الذي أدى الى نفاد احتياطه. من هنا خلاصة الموضوع أن الدعم يجب أن يتوقّف، ومن سيستقدم بضاعة من الخارج عليه الإستيراد من أمواله والإستحصال على الدولارات من السوق السوداء وليس من احتياطي مصرف لبنان.
فالمنطق وفق المصدر نفسه “لا يقتضي أن يتمّ الإقتراض من البنك الدولي لدعم الأسر الفقيرة مباشرة وفي الوقت نفسه صرف ما تبقى من الدولارات في احتياطه”. عندها سنَلج سيناريو ارتفاع سعر صرف الدولار الى 12 ألفاً و 15ألفاً وقد يصل الى 20 ألف ليرة نظراً الى زيادة الإقبال على السوق السوداء لشراء الدولارات ومعه سترتفع اسعار السلع لا سيما “الرغيف” الذي سيصل الى 5000 ليرة. أما اذا دخلت دولارات من الخارج وهي معروفة بـ Fresh money، فقد ينخفض سعر صرف الدولار الى مستوى 10 آلاف ليرة ولو ترافق ذلك تأمين عملة الإستيراد من السوق السوداء. المعونة الشهرية بالليرة حل منطقي
وفي ما يتعلق باقتراح المجلس الإقتصادي والإجتماعي بأن يعطى الدعم الشهري للمواطن بالعملة الأجنبية، فيصرفه على اساس سعر صرف السوق السوداء، أوضح المصدر المصرفي والنقدي أن “هذا الأمر سيتسبب بالأرباك، اذ أن القرض سيتمّ في تلك الحالة ايداعه في المصارف بدلاً من مصرف لبنان، كما أنه لو تم ايداع المعونة بالعملة الخضراء ستُطرح إشكالية حول كيفية سحبه ووفق أي تسعيرة للصرف، 3900 ليرة أو 6240 ليرة….
علماً ان الإعانات التي تعطى للمأجورين ضمن خانة المساعدات الإجتماعية، من قبل الدولة تكون عادة بالليرة اللبنانية بعد إيداعها في مصرف لبنان بالعملة الأجنبية من قبل الجهة الخارجية المقرضة وهي البنك الدولي في حالتنا هذه.
من هنــا منح اللبناني إعانة المليون و300 ألف ليرة بالليرة اللبنانية سيكون حلاً منطقياً بعيداً عن اي لبس وإرباك.
في الماضي، كانت محفظة الإستيراد لدينا بقيمة 20 مليار دولار، اليوم انخفضت الى نحو 10 مليارات دولار، واذا تفاقم الوضع ورفع الدعم وتمّ الإقبال على السوق السوداء لشراء الدولارات التي سترتفع تسعيرة صرفها، ستنخفض قيمة الإستيراد الى 7 مليارات دولار، وبعدها الى 6 مليارات وسنشهد مزيداً من فقدان للمواد ذات النوعية العالية، وهكذا، لحين أن “يفرجها السياسيون علينا، و”الله يهديهم” بان يتخلوا عن مكاسبهم وكراسيهم في سبيل إنقاذ البلد من محنته”.