IMLebanon

البطاقة التمويلية الكذبة مستمرة!

 

 

البطاقة التمويلية مشروع وهمي ورثته حكومة نجيب ميقاتي عن حكومة حسان دياب في مسعى مستمر لتخدير المواطنين لأطول فترة ممكنة رغم رفع الدعم وتحليق سعر صرف الدولار، ورغم خطط رفع الدولار الجمركي وتعرفة الكهرباء. جديد ميقاتي الطلب من البنك الدولي قرضاً لتمويل بطاقة الدعم بعد انسداد كل الخيارات الداخلية للتمويل. وهذا، في أكثر الحالات تفاؤلاً، سيستغرق 6 أشهر على الأقل لتجاوز المسارات الإدارية والقانونية، علماً أن قرض شبكة الأمان الاجتماعي الذي أقر بقانون في المجلس النيابي منذ 8 أشهر لا يزال ينتظر تنفيذه! هكذا، التحايل مستمر ريثما يتضح موعد الانتخابات المقبلة. وعندها يحضر التمويل فوراً!

 

 

في 9 أيلول الماضي، أطلق وزيرا الشؤون الاجتماعية والاقتصاد السابقان رمزي مشرفية وراوول نعمة ورئيس التفتيش المركزي جورج عطية، في مؤتمر صحافي، البطاقة التمويلية (برنامج دعم)، شرحوا خلاله آلية تقديم الطلبات. وحُدّدت الفترة ما بين 9 أيلول و15 تشرين الأول لاستقبال الطلبات. يومها، لم تكن الموارد المالية والتقنية متوافرة لإطلاق البطاقة، لكن الوزيران السابقان سارعا إلى إطلاقها بغية «قطف» ثمار مشروع وهمي قبيل تشكيل حكومة نجيب ميقاتي في 10 أيلول. لم يكن بيع الأوهام للبنانيين برنامج الدعم الأساسي لحكومة دياب، بل ورثته سريعاً الحكومة الجديدة. وكلتاهما تدركان أن مشروع الدعم الذي نصت أسبابه الموجبة على تنفيذه بالتوازي مع رفع الدعم عن المحروقات، لم يبصر النور حينها ولن يبصر النور لا اليوم ولا غداً. رغم ذلك، ثمة من يخرج من حين إلى آخر، ليكمل «الكذبة» ويراكم الوعود. هكذا، أطل وزير الاقتصاد أمين سلام عبر قناة «الحرة»، قبل 4 أيام، ليتحدث عن البطاقة التمويلية وينقل بالنيابة عن وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، كما قال، إن «التسجيل في البطاقة سيبدأ الأسبوع المقبل، وأن مرحلة التسجيل ستعقبها مرحلة الرقابة وزيارات ميدانية إلى بعض المنازل والمناطق. وبعدها بنحو شهر ونصف شهر تبدأ عملية الدفع، بالتالي سيبدأ التنفيذ مطلع عام 2022». ويبدو أن سلام الذي لا يحضر اجتماعات اللجنة المكلفة متابعة موضوع البطاقة، اختلطت عليه الأمور بين بطاقة الأكثر فقراً وتلك التابعة لبرنامج شبكة الأمان الاجتماعي التي تتابعها وزارة الشؤون مع البنك الدولي وتحظى بتمويل، وبين البطاقة التمويلية التي لا تزال حبراً على ورق. إذ إن قانون اتفاقية القرض بين الدولة اللبنانية والبنك الدولي أقرّ في آذار الماضي وكان يجب تنفيذه مذذاك لتوفر اعتماداته، فيما قانون البطاقة التمويلية الذي أقر في نهاية حزيران الماضي لم يتضمن طريقة التمويل وتركها على عاتق الحكومة. وقد حاولت «الأخبار» التواصل مع سلام لسؤاله عن الموضوع، فلم يجب. علماً أنها ليست المرة الأولى التي يحدد فيها وزير الاقتصاد مواعيد لإطلاق البطاقة التمويلية عشوائياً.

 

رحلة البحث عن تمويل

في وزارة الشؤون، الأمور على حالها. الوزارة جاهزة إدارياً وتقنياً، لكنها تنتظر تأمين الحكومة تمويلاً للبطاقة. أما برنامج شبكة الأمان الاجتماعي فمتعلق بدعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة نيابية لتعديل قانون اتفاقية القرض بعد وضع البنك الدولي شرطاً جديداً للبتّ بالقرض، وهو نقل منصة تسجيل الطلبات من وزارة الشؤون إلى التفتيش المركزي، بهدف الاستحواذ على الداتا. ورغم معرفة كل الدوائر الرسمية بالأخطار الأمنية المترتبة عن كشف داتا اللبنانيين، ثمة إجماع سياسي على القبول بشروط البنك.

أما على مقلب البطاقة التمويلية، فتستمر رحلة ميقاتي للبحث عن مصادر لتمويلها، وسط رفض مصرف لبنان إقراض الدولة أي مبلغ. وفيما تحدث وزيرا الشؤون والاقتصاد السابقان عن تمويل البطاقة عبر إعادة توجيه مبلغ 300 مليون دولار من قرض البنك الدولي المخصص لمشروع الطرقات و300 مليون دولار الباقية من حقوق السحب الخاصة بلبنان، سقط الطرحان نتيجة رفض وزير الأشغال الحالي علي حمية والجهة التي ينتمي إليها (حزب الله) المسّ بقرض النقل العام، وكانت للنائب محمد رعد كلمة جازمة في هذا الموضوع. فيما استبعدت إمكانية استخدام مبلغ معين من حقوق السحب بسبب تمني الصندوق، وفقاً لمصادر مطلعة، استخدامها لوجهتين: تحفيز الاقتصاد والاستثمار، أو تعزيز احتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية.

 

جديد ميقاتي طلب قرض من البنك الدولي لن يستغرق أقل من 6 أشهر

 

لذلك تحدث ميقاتي عن استخدام حقوق السحب في الاستثمار لا في الاستهلاك. وهو ينشط اليوم على خط البنك الدولي لمحاولة تأمين قرض جديد، أي دين جديد، لسدّ نفقات البطاقة التمويلية مع علمه المسبق أن مساراً مماثلاً – إن تحقق – سيستغرق أشهراً، وأن البطاقة التي نشأت فكرتها نهاية العام المنصرم وتبلور النقاش فيها في نيسان الماضي بمعدل نحو 25 دولاراً للفرد الواحد عندما كان الدولار يساوي 12 ألف ليرة في السوق السوداء وكان الدعم على المحروقات والمواد الغذائية موجوداً، باتت لزوم ما لا يلزم في إطارها الحالي بعد رفع الدعم وتضاعف قيمة الدولار ليلامس سقف الـ25 ليرة. إضافة إلى ذلك، ربط البنك الدولي أي قرض لتمويل البطاقة بتنفيذ برنامج شبكة الأمان الاجتماعي على ما أبلغ وزير الشؤون، وبإثبات شفافية في الآليات المعتمدة وطريقة التوزيع، ليوافق على إعطاء لبنان قرضاً آخر. وفي أحسن الأحوال، إذا ما خصصت جلسة نيابية لتعديل اتفاقية القرض وبدأت عملية التسجيل ثم توزيع المبالغ المالية على العائلات المصنفة ضمن فئة الفقر المدقع، فإن هذا الأمر لن يحصل قبل 3 أشهر. وهو ما يقود إلى الاستنتاج بأن الحصول على قرض لتمويل البطاقة التمويلية بما يتضمنه من مسار إداري وقانوني، لا يمكن بدء العمل فيه قبيل ستة أشهر (قرض البنك الدولي لشبكة الأمان الاجتماعي أقر منذ 8 أشهر ولم يبدأ تنفيذه بعد). عندها يكون الانهيار قد تجاوز القعر، لا سيما أن مشروع زيادة تعرفة الكهرباء في بداية العام جاهز شأنه شأن رفع الدولار الجمركي وما سيعقبه من جنون في أسعار المحروقات والمواد الأولية والغذائية وتكلفة الحياة عامة. وتقول مصادر حكومية إن مشروع البطاقة التمويلية ينتظر تبلور حصول انتخابات نيابية من عدمها، ليصار إلى هندستها بطريقة تضمن التوازنات الطائفية والسياسية. ويبدو أن المشروع الأساسي للحكومة الحالية هو الأخذ من اللبنانيين، ضرائب وتكاليف إضافية، من دون إعطائهم ولو قشة… سياسة تخدير ستستمر إلى حين حلول موعد الانتخابات.

من جانبه، يرى المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية عبدالله أحمد أن «مشروع الأسر الأكثر فقراً وشبكة الأمان الاجتماعي هدفهما استهداف الأسر التي تعاني فقراً مدقعاً والبالغ عددها ما بين 260 و280 ألف أسرة، أي ما يوازي نسبة 23% من أسر لبنان». أما آليات اختيار الأسر فـ«دقيقة ومعتمدة ليس فقط محلياً إنما دولياً، وهي تبدأ بزيارة منزلية واستمارة ثم تخضع لتقاطع داتا وتقييم وفقاً لمعادلة علمية، أي أن هامش الخطأ في الاستمارات منخفض جداً». وبحسب أحمد، «لا مبرر لعدم تنفيذ البرنامج منذ أشهر، بوجود منصة أو عدمها، فمراكز خدمات الوزارة جاهزة لاستقبال المواطنين في أي وقت». لذلك يصر على ضرورة فصل هذا البرنامج عن البطاقة التمويلية التي لا تمويل لها ولا معطيات عن أي طرح بتمويلها، فضلاً عن أنها تعتمد على طلب وبيانات يقدمها المواطن بنفسه، ما يرفع هامش الخطأ بنسبة كبيرة. ويتخوف أحمد من أن ربط المشروعين سيطيح بالجيد والسيء في آن، مضيفاً أن الدولة ليست بحاجة للاقتراض لتطبق برنامجيّ شبكة الأمان والأكثر فقراً، فالهبات مؤمنة وجاهزة إن سارت بالمراحل والتزمت بالمعايير كما يجب.